Web Analytics
ثقافة وفنونمقالات الرأي

معاهدة “أســتريـاك” ونهاية الحلم البحري للمغرب بعد معركة العرائش (1)

عرف المغرب خلال القرن التاسع عشر سلسلة من الانهزامات العسكرية مهدت ووطدت الارضية لاستعماره، وفي هذا الاطار تتفق الاسطغرافيا المغربية الكلاسيكية، وكذلك المؤرخون المغاربة المعاصرون في جعل معركة ايسلي التي خاضها المغرب ضد فرنسا سنة 1844 ومعاهدة للا مغنية التي أبرمها المغرب عقب هذه المعركة التي كشفت المغرب عسكريا أحد أهم المداخل التي ترتب عنها خضوع المغرب للحماية الفرنسية والإسبانية.

وتأتي حرب تطوان لتعلن نهاية حقبة تاريخية بكاملها، تبدو هتين المعركتين وبما كان لهما من نتائج سلبية على المغرب بسبب المعاهدات التي ابرمت عقب هزيمة الجيش المغربي باعتبارهما حدثا مؤسسا لمرحلة كاملة. لكن لا أحد يتكلم عن هزيمة المغرب العسكرية الأولى، وعن المعاهدة التي تلت هذه المعركة والتي أنهت العمل البحري بالمغرب رأسا كما علق المؤرخ الناصري على نتائج تلك المعركة، بل كانت سببا في التخلي عن القوة العسكرية البحرية بالمرة، حتى أن هذه المعركة نتائجها وأسبابها وظروف خروج المغرب من البحر لا تلقن للطلبة في أقسام التاريخ ولا يتم ذكرها إلا عرضا، فالجميع يتفق على ان معركة ايسلي كانت بداية انكشاف المغرب امام خصومه، ويعتبر الجميع معركة تطوان نهاية القوة العسكرية المغربية، لكن لا أحد تساءل وحسب شهادة خطيرة لأحد المؤرخين سيعمل السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام على إغراق الاسطول العسكري المغربي بعد معركة العرائش وما تلاها من توقيع معاهدة أسترياك.

تبدو معركة العرائش في نظر معاصريها وفي نظر مثقفي القرن التاسع عشر أكبر مصيبة حلت بالمغرب لكنها وفي نفس الوقت تسرد مغلفة بإطار من التواطؤ والصمت كما سنرى في تحليلنا لهذه المعركة. تناقض السرد التاريخي لهذه المعركة يبدو مربكا فهي معركة ينتصر فيها المغاربة على الاسطول النمساوي وفي نفس الوقت  يتحدث المؤرخون عنها كهزيمة نكراء، حتى أنك في حماسة سرد حيثيات الانتصار البحري المغربي تتلقفك خاتمة مناقضة تدعو للكف عن البحر نهائيا.

المعركة بقيت صعبة التناول والمعاهدة مربكة حتى ان تسميتها جاءت كذلك استرياك كلمة فيها تواطؤ بين يدعو الى الصمت بامر استر اي قم بالتستر على الشيء وياك هنا صيغة التوافق بين المتواطئين فجاءت استر ياك معاهدة يطلب بسترها هذا هو التفسير الذي لم نجد له المجرية

–  العرائش على عهد المولى سليمان :

عرف مطلع القرن التاسع عشر وجود السلطان المولى سليمان على قمة هرم السلطة بالمغرب، ولأسباب ودواعي متشابكة، انتهج هذا السلطان سياسة الاحتراز من أوروبا، والتخفيف من التعامل التجاري مع دولها، وبالمقابل تم التفتح على موارد التجارة الصحراوية. وقد كان لهذه السياسة أثرا حادا على مصير المدن الساحلية التي تراجع نشاطها التجاري البحري عما كان عليه الحال خلال فترة السلطان سيدي محمد بن عبد الله الذي ترك عند وفاته أسطولا بحريا ضخما يقدر بحوالي 60 سفينة حربية يعمل على متنها ما يقارب 4000 من البحارة حسب ما أورده أبو القاسم الزياني في كتابه “عقد الجمان”.

هذا الإهمال لأعمال البحر سبقه قرار منع قراصنة المغرب من أي نشاط أو جولان بالبحر. وتركت القطع الحربية المغربية الراسية بموانئ المغرب مجردة من المدافع وجميع أجهزة الدفاع الحربي، تجنبا لكل ما من شانه أن يثير الخصومة مع الدول الأجنبية، وفرق ماكان بقي من السفن على موانئ المغرب العربي، حيث أرسل بعضا منها الى الجزائر والبعض الآخر إلى طرابلس، حيث علق خالد الناصري صاحب كتاب “الاستقصا” على قرار المولى سليمان هذا، قائلا: “وأعد عن أمر التبحر رأسا، بعد أن كانت قراصين المغرب أكثر وأحسن من قراصين الجزائر وتونس ” هذا القرار السياسي المتعلق بالتوجه الاستراتيجي للدولة المغربية كان له اثر سلبي كبير على الأدوار الطلائعية السياسية والاقتصادية التي أصبحت تلعبها المدن الساحلية المغربية بداية العصر الحديث.

وتفيد المعلومات المستقاة حول الأسطول المغربي قبيل وفاة السلطان المولى سليمان سنة 1816 إلى أنه أصبح يتكون من أربع سفن فقط لم يكن مسلحا منها سوى اثنين، ثم بعد ذلك بوقت قصير تم تفكيك الأسطول بالمرة.

إن قرار المولى سليمان بإعادة المغرب إلى أصول سياسته البرية التي تحكمها التجادبات القبلية والتبدلات الدورية للمسالك التجارية الصحراوية، اثر سلبا على الحركة التجارية بالموانئ المغربية التي عرفت على عهد هذا السلطان تراجعا كبيرا أثر على مكانتها الاقتصادية وأهميتها الاستراتيجية وإمكانياتها التجارية والدفاعية، وهذا ما نستشفه من خلال الكتب التي اوردت اخبار مقتضبة عن مدينة العرائش خلال بداية القرن التاسع عشر وأغلبها كتب رحلات لمغامرين أوروبيين حلوا بالمغرب خلال هذا القرن .

يتبع

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى