أذكر المرة الأولى التي عرفت فيها مصطفى عائشة،في شتاء عام 1981،في مساء ذات اليوم الذي شهد فيه مقر حزب التقدم والاشتراكية بشارع الوحدة رقم 10 بتطوان ندوة حول الثقافة الشعبية،قام المؤلف الموسيقي نفسه بتأطيرها. وأتذكر صولاته وجولاته في كل الفروع ذات الصلة بالموضوع،من أنثروبولوجيا عامة وأنثروبولوجيا ثقافية وسوسيولوجيا الثقافة الشعبية في ذلك اليوم.
كان وجهه صارما، تدل ملامحه على جدية بالغة. وقد تفنن يوسف الحداد في إعادة تشكيل تقاسيمه الدقيقة، بنظرته الثاقبة-التأملية،لمعان وجهه المشع بالطاقة الخلاقة المبدعة،لباسه الوظيفي الذي يحيل إلى نشاطه العملي-الوظيفي كأستاذ للصولفيج، الهرمونيا والبيانو، وكمؤلف يذكر اسمه إلى جانب سترافنسكي في قنوات ووسائل إعلام جد محترمة، مثل راديو فرنسا، دفاتر القيثارة، في الثمانينات، راديو كولونيا بألمانيا خلال السبعينات،من القرن الماضي، وكمايسترو لفرقة كاميراطا عائشة يضاهي دومينيك فانال،وهويته الحمراء الأممية في عمق الصورة. ولا تفوتني الإشارة إلى بورتريه لا يقل من حيث قيمته الجمالية عن روائع التشكيلين الكبار في الغرب،الذين رسموا بروتريهات لبتهوفن من قبيل البورتريه الذي رسمه أدريان دراغان عام ،بعنوان “لوحة.
العاصفة”2002، كان الفنان التشكيلي بوزيد بوعبيد قد رسمه لمؤلفنا الراحل، وقد تضمنه غلاف كتاب”العائش في النغم” الذي ألفته سعاد أنقار في محاولة لكتابة السيرة الفنية لعائشة.
منذ ذلك التاريخ أصبحنا نلتقي بانتظام. لم نكن نتوانى عن مناقشة كل القضايا المطروحة في ذلك الوقت على مستوى الساحة السياسية والفكرية والثقافية والفنية، قضية تلو الأخرى : تاريخ المغرب، قديمه وحديثه، التراث العربي الاسلامي، مواقف وتحليلات الأحزاب السياسية في كل القضايا الدولية والوطنية، إشكالات فلسفة الجمال، الفلسفة الماركسية، المادية الجدلية، البنيوية، مهام المثقف العضوي، البطل الاشكالي، والرواية الجديدة…
كان يعمل بلا هوادة.الأساتذة العاملون بالمعهد الموسيقي. الحماضي، الزرهوني، عبد العزيز العريبة عازف البيانو الذي أهداه مصطفى عائشة بعض أعماله، مثل “حب في حدائق الأندلس”وآخرون، عرفوه قائدا للفرقة الموسيقية كاميراطا، وهم يشهدون على اقتداره.