عرف المشهد الأمني خلال اليومين الماضيين تفكيك الأجهزة الأمنية متمثلة في المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة للتراب الوطني لخلية ارهابية موالية و مبايعة لتنظيم ما يسمى “بالدولة الإسلامية “، وشكلت هذه الخلية حسب كل المتتبعين نقلة نوعية في تعاطي التنظيمات الإرهابية مع الآليات التنظيمية التي تجسدت في تجنيد خلية نسائية من بينهن قاصرات مجندات لتنفيذ أعمال إرهابية كانت سوف تستهدف مؤسسات الدولة ومنشآتها الحيوية.
قراءة في بلاغ وزارة الداخلية :
اعتادت وزارة الداخلية المغربية في إبلاغ الرأي العام الوطني والدولي عن أية عملية تفكيك لخلية إرهابية سواء كانت موالية لداعش أو القاعدة أو أية تنظيمات إرهابية تنشط على مستوى المغرب الكبير. وهنا يمكننا التأكيد على نجاعة هذا الجهاز في تتبع واستباق هذه التنظيمات مما يعكس مدى الفعالية وقدرة هذا الجهاز ودوره في تجنيب بلدنا لأعمال إرهابية كانت ستنعكس سلبا على وطننا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا كما تعكس هذه النجاعة مدى التفاعل والتعاون على المستوى المتوسطي وعلى مستوى شمال جنوب من أجل الحد من هذه التنظيمات الإرهابية التي روعت العديد من الدول لم تسلم منها حتى الدول العريقة في العمل الاستخباراتي والأمني ( فرنسا ، بلجيكا ، إسبانيا الولايات المتحدة الامريكية ، إنجلترا …).
إن أهمية تفكيك هذه الخلية الإرهابية تكمن عن سابقاتها من الخلايا المفككة والتي قد تصل إلى ما يناهز 300 خلية مند 2003 أي منذ أحداث 16 ماي الارهابية الدموية، قلت تكمن في الأساس التنظيمي النوعي لهذه الخلية عبر تجنيد العنصر النسوي كفاعل و كمنفد مستقبلي ومن ضمنهن قاصرات. وبالتالي لم يكن التنظيم الإرهابي في هذه العملية يعتمد على الآليات التقليدية في التنظيمات الإرهابية المسلحة، ولكنه كان عبر دراسة سوسيولوجية واعية تستهدف فئات عمرية بعيدة كل البعد عن الشبهات وعن المراقبة والمتابعة، مما يسمح بحرية أكبر في الحركة والتنفيذ.
لكن جوهر البلاغ لم يقف عند البعد الاستباقي للجهاز الاستخباراتي المغربي بل انتقل هذه المرة إلى إثارة الانتباه أو بالأصح انتقل في رغبة انفتاحية أكبر وأعمق إلى إثارة الجانب الوقائي أي إلى النبش في البيئة الحاضنة والمولدة للإرهابيين وهو ما تم تسطيره في البلاغ بالصيغة التالية : “تم تكليف بعض عناصر هذه الخلية بمهمة تجنيد نساء بهدف تعزيز صفوف “داعش” بالساحة السورية العراقية، تماشيا مع استراتيجيته التي تهدف إلى توسيع دائرة الاستقطاب داخل مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، لتعزيز دولة خلافته المزعومة، موظفا في ذلك تقاطع مشروعه هذا مع الخلفية الإيديولوجية للعديد من الجماعات الإسلامية التي شكلت دائما حاضنة أولية للعديد من العناصر المتورطة في قضايا متعلقة بالإرهاب”.
البيئة الحاضنة للإرهاب :
إن الوقوف على المستجد الذي جاء به بلاغ وزارة الداخلية الذي حصر البيئة الحاضنة للإرهابيين في التقاطعات الكبيرة و الكثيرة التي تجدها هذه العناصر وتستمد منها مرجعياتها و آلياتها التحليلية لمشروعها مع الخلفية الإديولوجية للعديد من الجماعات الاسلامية، يدفعنا في البدء إلى استنتاج أولي يتقاطع فيه البلاغ في حد ذاته مع العديد من كتابات المفكرين وبلاغات وبيانات العديد من التنظيمات التي عانت من ويلات العنف الممارس عليها أو على المجتمع برمته مؤكدة مدى الترابط والتناغم بين الفاعل المنفد والمنظر المحرض وهي سمات تشكل قاعدة عمل للتنظيمات الدينية.
إلا أن البلاغ في نظري ظل غير متكامل في تناول البيئة الحاضنة المتجسدة في الأساس في الظروف والشروط التي تسمح لهذه التنظيمات باستقطاب اتباعها بشكل يومي عبر استغلال حتى مؤسسات الدولة الدينية من قبيل المساجد ومنابرها، وبالتالي يضعون أنفسهم أصحاب حق في استغلال الدين الشعبي المفترض فيه أنه تحت أعين مؤسسات الدولة.
إن التحقيب التاريخي للعمل الممنهج والاستراتيجي لهذه التنظيمات الاسلامية، ليس وليد اليوم بل يمكن عموما نسب العمل الإرهابي في صيغته الإسلاموية إلى مرحلة اغتيال القيادي النقابي الشهيد عمر بنجلون، ومنذ ذلك الوقت والتنظيمات الإسلامية بتفرعاتها تحاول جاهدة بناء دولة داخل الدولة بما يسمح لها باقتسام الدولة تحت قاعدة الشارع لنا والقرار السياسي لكم ولبلوغ هذا الهدف الأولي، انتهجت التنظيمات الدينية عملية استغلال المساجد الكبيرة والصغيرة الرسمية و غير الرسمية مع احتكار العمل الخيري والإحساني حتى تحولت إلى راعي اجتماعي للعديد من الفقراء والمساكين بل إلى متبني لقضاياهم المحلية ولقضايا المسلمين عامة وترويج عملهم بأسلوب متطور تنظيميا وحديث تكنولوجيا. كما لا يمكننا بكل بساطة تناسي دور مؤسسات التربية الدينية القانونية وغير القانونية. و كل هذا يجعل من الإرهابيين و المتحكمين فيهم الصوت النافد والمتحكم وهنا أستحضر مقولة عالم الاجتماع ويلهايم الذي يثير أن : “الصوت الأعلى والعنف الأكثر تطرفا يشد ويجذب البسطاء والدهماء ويولد حالة من التعاطف الجمعي مع صاحب الصوت الأعلى والفعل الأعنف”.
إن ترويج المظلومية والتباكي والكذب في الخطاب الإسلاموي بالمغرب من طرف العديد من التنظيمات الإسلامية وخاصة الحزب الحاكم، مرده إلى استراتيجية كسب المزيد من التعاطف من طرف باقي التنظيمات المتحلقة في الفضاء الإسلاموي المغربي قصد كسب المرحلة الحالية في عملية التنافس على السلطة إلى حد وصل فيه إلى التماهي مع ابن تيمية الذي يمثل المرجع الأساس للفكر التكفيري الإرهابي. وهنا أستحضر استشهاد بنكيران به في مهرجان خطابي معتبرا مقولة ابن تيمية أساس تربيته حيث أشار إلى أن “الجنة في صدره يحملها معه أينما ذهب وسجنه خلوة ونفيه سياحة وقتله شهادة و نحن لا نتنكر لابن تيمي” وهو هنا في تلاقي وتماهي كامل مع التنظيمات الإرهابية في قناعاتها وممارساتها، وهو بذلك يمنح للتيارات المتطرفة بالمغرب كل الدلائل على عدم شرعية العمل من داخل المؤسسات الرسمية ويؤكد لهم احقية طروحاتهم في تبني العنف كمخرج وحيد من أجل تحقيق حلمهم في الخلافة ولما لا خلافة البغدادي.
المقاربة الوقائية :
لا يمكن للمواطن المغربي إلا أن يفتخر بأداء أجهزته الأمنية المتتبعة للتنظيمات الإرهابية والجهد والأداء اليومي المبذول بهدف تحقيق الأمن و الأمان للمواطن وللوطن. إلا أن الاقتصار على المقاربة الأمنية رغم أهميتها تظل غير قادرة على استئصال الفكر الإرهابي حيث يمكنها الحد من الإرهابيين دون القضاء على الفكر الإرهابي، وبالتالي وحتى نكون أكثر فاعلية ونجاعة وتحقيقا لمغرب الاستقرار والانفتاح، فإن الأمر يتطلب تظافر جهود الجميع فاعلين سياسيين واقتصاديين ومدنيين وكل مراكز البحث والدراسات في ظل رؤية شمولية تنويرية تحوي الأبعاد السياسية الاقتصادية الاجتماعية التنموية والتربوية تكون قادرة على الإجابة النهائية تشكل نهاية حتمية للبيئة الحاضنة في أبعادها الثلاث المنتجة للإرهاب والمنسجمة معه والموظفة له.