مرد عنوان هذه المساهمة يتجلى في الحضور غير المبرر لعضو قيادي بحماس في افتتاح الحملة الانتخابية لحزب العدالة و التنمية بالرباط، وهو الافتتاح الذي جيش له بنكيران جل منخرطي من أجل أن يظهر بالصورة الأردوغانية التي جلبت الحركة الإسلامية نفسها على تصوير تجمعاتها بها، وهي العملية التي يتوخى من خلالها زعيم حزب العدالة و التنمية إبراز عضلات حزبه الانتخابية و طول باعه الجماهيري.
قد يبدو هذا التدبيج عاديا فكل الاحزاب السياسية ستحاول ان تنزل بثقلها الجماهيري في المدن التي ستحتضن مهرجاناتها الخطابية، لكن المثير في الحشد الذي رافق الظهور الأول بعد الإعلان عن انطلاق الحملة الانتخابية لزعيم حزب العدالة و التنمية، هو الحضور غير المبرر لحماس، وجرأة هذه الحركة على حشر أنفها في كل الدول العربية حيث التواجد الإخواني من زاوية مبدئية تربوية وتنظيمية والتي ينص شعارها ونشيدها الأساسي على الارتباط العضوي بالتنظيم الدولي للإخوان،
هذا الحضور يشكل بالملموس تدخلا و دعما خارجيا لجهة معينة وهي هنا الجهة المنظمة للمهرجان، وهو ما يتنافى و الاعراف و التقاليد والقوانين المعمول بها في وطننا حيث تظل الانتخابات شأنا داخليا، إن الحضور الحمساوي في الحملة الانتخابية للعدالة والتنمية يحيل الى قراءات عدة منها :
– أولا: إشهار منطق النعرة ومبدأ المناصرة من خلال الحضور الميداني قصد استجلاب العطف الشعبي في صفوف الحركة الإسلامية سواء المناصرة لحزب العدالة والتنمية أو تلك التي تقف على مسافة منها كالجمعيات الدينية أو المقاطعة كتنظيم العدل والإحسان
– ثانيا: في تعاطيهم مع هذا الاستحقاق يحاولون تسييد منطق المؤامرة والاستهداف المتعمد والممنهج ضدهم بما يعني أن اللحظة تتطلب تظافر جهود أصحاب القضية ” الإسلامية الإخوانية ” من أجل قطع الطريق على الانقلابيين بمفهوم كل من سوف يحاول سلك مجرى معارضة و مجابهة حزب العدالة والتنمية ويذكرنا المشهد هنا بالانتخابات الرئاسية المصرية حيث تم تسجيل حضور تنظيم حماس بشدة بل وبفعالية لجناحها المسلح .
وهنا من حقنا أن نتساءل هل حضور حماس في الانتخابات المغربية من خلال حزب العدالة والتنمية هو إشارة مبالغ فيها للدولة في الإمكانيات المستقبلية التي تحبل بها العملية الانتخابية المغربية من جهة ومن جهة أخرى ، وحتى لا نحمل الأمور ما لا تحتمل فلا بد لنا أن نشير إلى أن حماس تضع نفسها الحامي الأول بما تمتلكه من لوجستيك و خبرة ميدانية للمكتسبات “الديمقراطية” التي جاء بها الربيع العربي للحركة الإخوانية العالمية .
فحركة حماس استفادت بشكل مطلق من ما يسمى ” الربيع العربي” والذي جعل من التيارات الإخوانية هي المسيطرة والمحاورة بحكم أنها شكلت في هيجان 2011 على المستوى العربي التيارات الأكثر تنظيما أفقيا وعموديا، مع الدور الذي لعبته قطر من خلال الدعم المادي و اللوجيستيكي والدعم الإعلامي من خلال قناة الجزيرة، والتي ستحاول هذه المرة أن تعطي للانتخابات المغربية فسحة كبيرة في نشراتها المقبلة بهدف دعم حزب العدالة والتنمية. وتجلت هذه الاستفادة لحركة حماس في المتنفس المادي واللو جيستيكي الذي وفره لها حزب الحرية والعدالة المصري حيث صارت في ظرف سنة من الحكم الإخواني لمصر جزءا من القرار السيادي المصري وهو ما دفع بالقوى الحية في مصر إلى الانتفاظ ضد هدا السلوك، كما أن تواجد قيادة الإخوان المسلمين في كل من الدوحة و أنقرة أضفيا مجالات وميادين أوسع للتنظيم الحمساوي للتموقع في سياسات دول التي سيطرت عليها التيارات الاسلامية.
لقد أبان التاريخ السياسي المغربي مدى ارتباطه العميق بالقضية الفلسطينة ومع كل مكونات وحركات العمل الفلسطيني ومع ممثلهم الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية سواء مع الشهيد الرمز ياسر عرفات و كل مناضلي حركة فتح و كذلك مع الفصائل الثورية الأخرى من قبيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، وهذا الارتباط تجسد في اعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية. ورغم كل هذا الارتباط حد التبني، لم يشهد المشهد السياسي المغربي أي تدخل فلسطيني في الشأن الداخلي المغربي بل ظلت منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها بعيدة كل البعد عن دعم جهة ما على حساب جهة أخرى.
إن المتتبع للتجربة السياسية في الوطن العربي وبالضبط للحركات الإسلامية سوف لن يخرج عن استنتاجات أولية قد تشكل قواعد مشتركة بين هذه التنظيمات وتتجلى في نهجهم منهج التجييش والتأزيم و التهديد والوعيد حد الحمق السياسي، تحت مبرر نحن أو الطوفان وأن لا خلاص إلا عبر عودتنا إلى الكراسي من موقع قوة ومن موقع المزيد من التمكين قصد التحكم الحقيقي.
يخلو هذا المقال من استنتاجات ولكنه يحاول أن يشير إلى أننا نعيش منعرجات الوضوح في ما لحزب العدالة والتنمية من استراتيجيات بديلة قد تعصف بالتراكمات الايجابية التي راكمها المغرب على طول تاريخه المعاصر.