خص المنظر الكنَدِي مارشال ماكلوهان لتطور وسائل الإعلام والاتصال في الغرب طيلة القرون الخمسة الأخيرة في معادلة: “الرسالة في الوسيلة” : Le message, c’est le médium في بداية الستينات ألف المنظر المشار إليه أعلاه كتاب “مجرة غوتنبرغ”. من خلاله رجع إلى دور الطباعة في نشر واسع غير المسبوق لكتب الإصلاح الديني ثم الكتب العلمية ثم الموسوعات التقنية ثم الكتب الفلسفية ثم الروايات والدواوين الشعرية ثم العلوم السياسية والاقتصاد السياسي… واعتبر انتشار المطابع في 252 مدينة أوربية كما لو كانت نجوما تضيء سماء أوربا وسماها “مجرة غوتنبرغ” (الناقل الألماني للطريقة الصينية في طباعة الكتب).
أواخر الستينات، بعد ظهور القنوات التلفزية الغربية عبر الساتل اخترع العبارة المتداولة اليوم “القرية العالمية” بحيث كانت البلدان الغربية سباقة للارتباط اليومي بين الناس والإعلام مما عرف بوسائل الاتصال الجماهيرmass- média عبر الشبكات التلفزية التي. ثم أخيرا ألف كتابا ثالثا حول الإعلام المتعدد الوسائط multimédia ،
اليوم، يعتد بنفسه كل من يستعمل الانترنت في نشر الخبر والرأي كونه ينتمي إلى “الشبكة العنكبوتية”. علما أن أسبوعية النوفيل أوبسيرفاتور الفرنسية التي استعملت مزدوج المنعوت والنعت ( 22/12/1980)، أوردت العبارة في سياق سلبي استيلابي.
في جميع الأحوال، استند إعلاميو الغرب على رصيد مجرة غوتنبرغ (عالم الكتب من التأليف إلى القراءة) وبينهم اليوم من يقاطع التلفزة (تشومسكي حسب تصريح له الأسبوع الماضي) ومنهم من يقاطع الفيسبوك حتى لا يسقط صريعا في شبكة العنكبوت فتمتص منه ثروة الوقت وهي أعظم ثروة.
المختصر المفيد من هذه المقدمة الطلالية، هل نجد أصحاب الجرائد الالكترونية يعون مرحلتهم ومقتضياتها أم أنهم يستعملون وسيلة طلائعية بينما يوجد خطابهم في خانة عهد المخطوط مثل لوحة المسيد الخشبية. هل الخطاب ملائم للوسيلة كما يعتقد الغربيون أهل العقلانية المنسجمة أم نجد أنفسنا ونحن أمام تلويك خطاب مربوط بسلسلة حديدية إلى من “انتهت صلاحيتهم” ؟
إن المقالات المنشورة عبر وسائط الانترنت كما لو كانت تلوك “العِلْكْ” النباتي القديم. عبر النقد تردد وتعيد ترديد أسماء بضاعة انتخابوية انتهت صلاحيتها منذ ما قبل 20 فبراير 2011.
فهل يليق بكتاب جيل ما بعد 20 فبراير 2011 تكرار أسماء تجار الانتخابات وقد صرخ الكتاب الشباب أنفسهم برحيل ديناصورات الانتخابات المحترفي الابتزاز عبر المال الانتخابي ؟
أليس من حق قراء الجرائد الالكترونية أن يطلعوا على حيثيات الأطراف السياسية التي تقاطع الانتخابات ؟ أو مواقف القوى التي تقتحم الانتخابات بخطاب مزعج ومختلف عن الاسطوانة الانتخابوية المتداولة ؟
إن المقال حامل توقيع صاحبه، امتداد لروح الكاتب ومرآة لاهتماماته الفعلية، مهما كانت النية الهلامية العامة تأمل أن تكون مغايرة للتيار العام. فمخزون ما نكتب، المكدس في القرص الصلب، امتداد صناعي لكينونتنا الراهنة.
وبوصلة موقفنا تحددها شبكة مصالحنا الحيوية. فهل أصبحت روح 20 فبراير جزءا من الماضي ؟ أم اهتمامنا برموز ما قبل 20 فبراير يعني أننا نحن الذين خطونا خطوات نحو الوراء لأسباب “اضطرارية”؟ في جميع الأحوال، إما أن تكون ملامح 20 فبراير بوصلة يجرنا مغنطيسها نحو المستقبل، أو نكون قد وضعنا بوصلة 20 فبراير جانبا وتهنا في تضاريس ملتوية دونما حاجة لبوصلة أصلا.
إما أن تكون المواقع الالكترونية متحررة وخارج “القبة الحديدية” للتحكم بصيغتيه الناعمة والصادمة. وإما أن تكون واقعيا وسيلة ناعمة للتحكم. علامة التحرر ولو باعتدال من ظلال “القبة الحديدية” الرسمية، هي تنويع ألوان الطيف للموقف الانتخابي كما الموقف من الانتخابات من مصدرها الأصلي: قلب المجتمع. من قلب الأوضاع لتوفير الطاقة لقلب الأوضاع بما فيه حرية المجتمع بأجنحة مؤسسات متحررة من ثقل “القبة الحديدية”.
من حق القارئ الاطلاع على النِسَب والأرقام قصد امتلاك القدرة الذاتية على صناعة موقفه الانتخابي بعيدا عن التضليل الانتخابوي. كما من حق الناخب أن يتأمل موقعه بين طبقات المجتمع ليحتسب حظوظه في ظل “القبة الحديدية” ويخطط بالتالي للإفلات من الأخطبوط الماسك بالآلة الانتخابية.
هل يختار الإعلام الالكتروني حلفاءه بين الشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني أم يبقى بين المطرقة والسندان؟ إن التوقف عند هذا السؤال الصعب اليوم هو الذي سيحدد جودة الإعلام الالكتروني في الأفق المنظور. فالاحترام الرمزي والقدوة في النظر والمعاملة يأتي على قدر أهل العزم والحزم والجزم.