لا أدري لماذا تذكرت أغنية An Alamo nací هذه الاغنية التي صدحت بها المغنية ياسمين ليفي من بين أخريات، وهي في الأصل أغنية يونانية كتبها غيورغوس كتاساريس و ديونوسيس تساكنيس، ومثل بذور تذروها الرياح انتشرت في الهواء وسافرت عبر الأرض…
No tengo lugar
No tengo paisaje
No tengo patria
Con mí pelo hago el fuego
Con mí corazón te canto
Las cuerdas de mí corazón lloran
Nací en Alamo
لامكان لي
لامشهد لي
لاوطن لي
بخصلات شعري أشعل النار
وبقلبي أغني لك
وحبال قلبي تبكي
ولدت في آلامو
كذلك نجد شخصيات رواية عبسليمو النصراني للكاتب عبد الحميد البجوقي في سفر دائم، شخصيات قلقة ومتشظية الهوية، تعيش على الهامش وتحول مع إشراقة شمس كل يوم جديد أن تصنع لنفسها حياة أفضل، مثلما يصنع العشب لنفسه مكانا بين صخرتين متلاصقتين،
ومثلما أن البحر لا يمكنه أن يغادر مكانه، لأنه إن خرج منه نفخ في الصور، فالريح مجبولة على السفر، مكانها في اللا-مكان، كذلك نجد شخصية عبد السلام-بطل الرواية- الذي بدأ حياته رضيعا مرميا قرب قمامة أزبال وكان على أحد ما أن يلتقط هذا الرضيع الذي دشن لحظاته الأولى بالصراخ وكأنه يستشرف قسوة ما سيعيشه كواحد من أبناء الريح.
الرواية هي صرخة أبناء الريح، أولئك الذين لا وطن لهم، أولئك الذين يضطهدهم الوطن الذي ولدوا تحت سمائه، قصة يوسف الذي يعيد كتابة حياة والديه ، يرسم ملامح -عبر سطور الرواية- لأمه نانوكا الغجرية التي عاشت بمعية قبيلة الغجر على هوامش كل شيء باسبانيا وأبيه عبد السلام الذي عاش وحيدا بلا أبوين يبحث عن نفسه التي وجدها في اعتناق المسيحية، فصار يعرف بعبسليمو النصراني، هذا الاختيار الديني سيجعله يعيش عزلة مضافة، فعزلته الأولى اضطرارية مفروضة وكانت بسبب غياب العائلة والنسب والعزلة الثانية كانت اختيارية ناتجة عن اعتناقه للنصرانية وستدفع به للهجرة من طنجة إلى مدريد حيث سيجد أن مكانه الطبيعي هو الهامش، هناك يعيش الغجر الذين يتقاسمون مرارة العيش نفسه مع الموروس الوافدين من افريقيا مرة أخرى، لكن هذا المورو رغم مسيحيته سيعاني النبذ حتى من طرف جزء من المجتمع الغجري، لأن المورو بالضرورة مسلم وخائن ولايوثق به، و في الرواية يطرح البجوقي اضطهاد الأقلية بشكل ازدواجي بين المغرب واسبانيا، أي المغرب الذي يضطهد عبد السلام عبسليمو لنسبه ودينه ويفجر قضية حرية المعتقد في بلدنا ويطرحه في اسبانيا التي ترفض جزءا من أبنائها، لأنهم مختلفون وتعاملهم كلصوص مثلما تضطهد المورو الوافد عليها وتعامله معاملة الأقلية المضطهدة، لكن في النهاية يحصل الزواج بين عبسليمو و نانوكا على يد راهب من كنيسة فرانسيسكية بمدينة سيغوبيا الرومانية، لكل شيء هنا رمزيته، إنه الزواج الذي أثمر طفلا هو يوسف الذي سيصير روائيا شابا وسيكتب شهادته بمداد معاناته وبحبر الأنين، هي شهادته عن حكاية من حكايات المنفى، حكاية عبسليمو النصراني.
في أول الرواية يستدعي الكاتب بشكل ماكر الجذور الامازيغية للمناضلة الأمازيغية اريناس وكأنه يستحضر الجذور الأمازيغية للمغرب ذاته، وألم يلقنونا في التاريخ أن الأمازيغ هم سكان المغرب الأولين، وفي آخر الرواية تلاحم بين جسدين بين أحد فروع الشجرة-يوسف- وجذورها الأمازيغية، لكنه في لحظة ما وفتيل الرواية يوشك أن ينتهي لتنطفأ الشعلة التي بدأت مع أول سطر في الرواية، ينتصر البجوقي لإنسانية الإنسان ولكونيته في خضم كل هذا الصراع الهوياتي و الوجودي المرير
قائلا على لسان أريناس في آخر فقرة للرواية ص134″ لم اتصور أنا أريناس الأمازيغية المنخرطة في حركة تطالب الدولة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية وبالثقافة الأصلية أن الأصل في الهوية هو الإنسان وان الانتماء لا يرتبط بالأرض وأن الوطن لا تسيجه الحدود ولا اللغات ولا الديانات”.