حكاية مدينة الحمامة البيضاء مع السلطة المركزية ليست وليدة اليوم، تاريخ المدينة حافل بدورها في الدفاع عن المغرب، وبدورها في توازنات تحكمت في موازين الدولة، تطوان كانت عاصمة الشمال التي طبعت تاريخ المغرب وشكلت نواة التدبير الجهوي بما يشبه حكما ذاتيا كان ولا يزال مزعجا للدولة المركزية، تطوان كانت عاصمة الجهاد التي سطع صيتها لدى الدول المجاورة بحكامها من المنظري إلى السيدة الحرة.
كانت المدينة التي اختارها الإستعمار الاسباني لتكون عاصمة للمنطقة التي كانت تحت حمايته، وكانت المنطقة الخليفية الوحيدة المستقلة والتابعة لسلطان المغرب على رأسها خليفة يُصدر الظهائر ويحمل إسم الخليفة الإمبراطوري “مولاي الحسن بن المهدي”. كانت معقلا للحركة الوطنية ومنها صدرت أول وثيقة للمطالبة باستقلال المغرب، كما كانت المنطقة الخلفية لثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي وكانت عاصمة انتفاضة 84 المجيدة.. تطوان تميزت بتاريخها وبتعدد انتماءاتها من مورسكيين وأمازيغيين وجبالة وغمارة وغيرهم من الذين جعلوا منها مركزا حضاريا وصل صيته كل القارات.
هذه هي تطوان عاصمة الشمال الذي تعرض للتهميش العقابي بعد الاستقلال، التهميش الذي طال المنطقة إلى غاية جلوس الملك محمد السادس على العرش، وكما سبق أن قلنا في سلسلة ” ولاية يعقوبيان” أن الشماليين وسكان تطوان لا يُنكرون المجهودات التي بذلها ملك المغرب منذ توليه العرش في تنمية المنطقة والمدينة، بل أسهبنا في عرض تفاصيل المنجزات وبالخصوص مع تعيين “محمد يعقوبي ” واليا على المدينة ودوره في قلب معالمها، وبلائه الحسن في تعبيد الطرق وشقها والتواصل مع المواطنين والاقتراب منهم كممثل لنموذج جديد للسلطة الصارمة مع الأقوياء من”علية القوم” واللينة مع الضعفاء من عامة الشعب.
لكن ترقي الرجل في سلم المناصب السامية وربما عن استحقاق يطرح الكثير من التساؤلات حول بقائه على رأس مدينة تطوان التي تقزمت من ولاية إلى مجرد عمالة في التقسيم الترابي الجديد والجهوية الموسعة التي عرفها المغرب رغم ورود اسم جديد ضمن حركة التعيينات الأخيرة في صفوف العمال، حيث ما زالت تتضارب المعطيات بشأن تعيين ” الخروبي ” عاملا على المدينة من عدمها، في ظل عدم وجود بلاغ رسمي من طرف الجهات الوصية لحد الساعة يؤكد هذا المعطى أو ينفيه.
تقديرنا المعزز بشهادات بعض العارفين بخبايا محيط القرار أن الأمر يتعلق بمخطط يتم تمريره بهدوء وتدرُّج، وليس سرا أن منصب والي تطوان بقي شاغرا بعد تعيين اليعقوبي واليا على جهة طنجة تطوان الحسيمة، في انتظار أن تتعوّد الساكنة على الأمر، وليس سراّ أن الهدف هو تحويل المدينة إلى عمالة لا تختلف عن باقي العمالات من مقاطعات البيضاء أو أخرى بحجم عين حرودة، والخطوة الثانية المنتظرة والتي أصبحت مع الوقت أمرا عاديا لدى ما يسمى بنخبة المدينة المغبونة هي تعيين عامل على المدينة /الإقليم، التعيين الذي لم يكتمل لحدود الساعة وللمرة الثانية. وإمعانا في ما نستشعره تبخيسا للمدينة أنه بعد الإعلان عن اسم العامل الجديد يختفي التعيين من لوائح التعيينات المسربة بوسائل الإعلام والتي تبقى غير مؤكدة دون تبرير منطقي، وتبقى تطوان لا هي بولاية ولا بعمالة ولا هم يحزنون ويبقى الوالي السوبرمان مكلف بتصريف شؤونها إلى إشعار آخر.
أليس هذا تبخيسا لهذه المدينة ولكل الشمال، أليس من حق الشماليين أن يشعروا بالغبن ؟ أليس هذا تقزيم لمدينة كانت مهدا للتاريخ والحضارة كما قدمنا في البداية، أليست هذه نكاية بسكانها الذين تجرؤا بانتفاضتهم سنة 84؟
تقديرنا أن هذا التاريخ الذي تحدثنا عنه في البداية هو المستهدف من هذه التخريجة التي تُحبك في الرباط وبموافقة ما تبقى من نخبة هذه المدينة سواء منها المشارِكة في تمرير هذا القرار، أو الصامتة والبالعة للسانها تستنكر في خلواتها الليلية، وبعضها يتوعد بالرد من تحت الجلباب.
في ذات السياق يرى البعض الآخر أن بعض النافدين من محيط القرار يراهنون على إلغاء الولاية وبعدها شغور منصب ” العامل ” والاكتفاء بولاية جهة طنجة تطوان بمقرها في طنجة، ويرون في الوالي اليعقوبي ضمانة لمصالح وأوراش كبرى تنتظر المنطقة التي أصبحت تعتبر من أهم الجهات على المستوى الوطني وينتظر أن تكون قاطرة للدفع بالاقتصاد الوطني للأمام من خلال مشروع طنجة الكبرى واستكمال باقي أشطر الميناء المتوسطي كنافذة المغرب التجارية على العالمين الأوروبي والأمريكي معا.. وإن كان كذلك فما العيب أن تظل تطوان عاصمة لهذه الانطلاقة وأن تظل مكانتها التي هي قيمة مضافة للشمال وللمغرب. الحسرة أن النخب السياسية والاقتصادية والجامعية في هذه المدينة لا تحرك ساكنا وتبدو راضية على ما بقي لها من فتات.
لكِ الله ياتطوان وحسبنا الله ونِعْم الوكيل، ولنا عودة للموضوع.