كان “ماريانو راخوي” و”رودريغيو راتو” بوصفهما مقربين جدا من أثنار غير متفقين تماما بشأن تدخل عسكري فوري، وطالبا بضرورة القيام بمحاولة أخيرة بعدم تلقي وزيرة الخارجية جوابا سريعا من نظيرها المغربي، لكن رجلا واحدا استطاع أن يقول لأثنار كلمة ” لا “، واضحة ولا غبار يعلو معناها، منذ بداية الحديث عن تدخل عسكري، وهو الأميرال أنطونيو مورينو ويصف أثنار تلك اللحظة في مذكراته ” الإلتزام والسلطة ” بقوله : ” خلال الاجتماع الذي أجريناه في قصر المونكلوا كان جميع قادة الجيوش الثلاث البرية والجوية والبحرية على اتفاق بشأن التدخل العسكري، باستثناء الأميرال الجنرال أنطونيو مورينو الذي أبدى رفضه، وقررت حينها أن أعيد طرح السؤال عليه، وعاد ليكرر رفضه، واستمر تحليل الوضع وتقييم خيارات التدخل العسكري، وفي نهاية الاجتماع أعدت طرح السؤال على الأميرال مورينو للمرة الثالثة، لكنه أجابني بدوره بالرفض للمرة الثالثة على التوالي، وكان قراري النهائي هو القيام بالعملية العسكرية “.
في اليوم الثاني للتدخل، الخميس 18 يوليوز، اتصلت بلاثيو مرة أخرى بنظيرها المغربي الذي رد على مكالمتها أخيرا وكانت مكالمة متوترة بين الطرفين، وكانت بلاثيو تائهة وقالت له ” إنكم تفعلون هذا بي في أيوم يوم لي بمنصبي “.
استمرت الحملة الدبلوماسية والإعلامية المغربي وسافر محمد بن عيسى يوم الجمع 19 يوليوز إلى فرنسا لعقد مؤتمر صحافي بمقر النادي الدولي للصحافة بباريس، ويقول بن عيسى : ” لقد أحصيت يومها 38 كاميرا توجه عدساتها نحوي، وكانت القاعة تغص بالصحافيين، وكان مبرمجا أن تكون بروكسيل هي محطتي التالية بعد باريس، لذلك إتصلت برومانو برودي، رئيس المفوضية الأوروبية وحددت موعدا معه وسعيت وراء مواعيد أخرى بحكم أن يوم الإثنين 22 يوليوز كان سيعرف انعقاد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية “.
يومين بعد الوجودا لعسكري الإسباني في الصخرة، وفي حمأة الحملة الإعلامية والدبلوماسية التي باشرها المغرب، سيدخل كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية كولن باول على الخط ليبدأ شوط جديد من المفاوضات بين المغرب وإسبانيا، بعدما اتصلت به آنا بلاثيو للتدخل، وهو ما يعلق عليه بن عيسى قائلا : ” المغرب لم يطلب أبدا وساطة الأمريكيين، بل الإسبان هو من اتصل بهم، لقد أرادو وقتها الإحتماء بواشنطن لتمارس علينا ضغوطا وأيضا للإضرار بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة وشرحنا للأمريكيين الذين تفهموا تفاهة الموضوع، وكان أول اتصال لي بهم بمعية الطيب الفاسي الفهري، كاتب الدولة في الخارجية، في شخص السفيرة مارغريت توتويلر التي أرادت معرفة وجهة نظرنا حول الموضوع “.
كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، كولن باول، سيشرع في الإتصال بين الطرفين هاتفيا، وهو الدبلوماسي والعسكري الأمريكي الذي كانت تجمعه أيضا صداقة مع نظيره المغربي محمد بن عيسى الذي عمل طيلة سنوات سفيرا للمغرب بواشنطن واستطاع نسج علاقات قوية مع أوساط أمريكية وعربية لها تأثير على دوائر القرار داخل البيت الأبيض.
بعد ساعات من دخوله على الخط سيتمكن باول من الوصول إلى مقترحات بلورها من مكالماته العديدة مع وزيرة الخارجية الإسبانية التي أيقظته فجرا عدة مرات وجعلته يخصص يومين من أجندته لأزمة سيبوح لاحقا بأنها كانت ” تافهة “.
ويحكي بن عيسى ” يوم السبت 20 يوليوز، كنت جالسا بالجناح الخاص بي بفندق ” موريس ” بباريس عندما رن الهاتف، فوجدت كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي على الخط، وبعد التحية قال لي :
– لدي أخبار جديدة، اليوم على الساعة الخامسة مساءا سيغادر الإسبان الجزيرة، أريد التحدث مع جلالة الملك، فاستأذنته في معاودة ال‘تصال به. وعندما إتصلت بالمغرب كان جلالة الملك قد غادر الرباط بسيارة يقودها بنفسه صوب طنجة. وقال لي جلالة الملك : أنا أقود الآن سيارتي، قل لباول أننا سنتواصل هاتفيا بمجرد وصولي إلى طنجة.
وبعد ذلك تحدثنا ثلاثتنا، صاحب الجلالة وكولن باول وأنا في نفس الوقت عبر تقنية Video Conference وحكى باول لجلالة الملك أنه توصل إلى إتفاق مع الإسبان، لكن هناك شروطا ينقلها عنهم، الشرط الأول ألا يذهب بن عيسى إلى الإتحاد الأوروبي والشرط الثاني أن تأتي بلاثيو إلى الرباط يوم الإثنين 22 يوليوز عوض ذهابها بدورها إلى بروكسيل.
وقال كولن باول لجلالة الملك إنه يريد تسوية الخلافات بين المغرب وإسبانيا، ويرى أنه من الأفضل القبول بالعودة إلى الوضع السابق الآن، فالمشاكل ستحل في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين بحكم أن الدول التي يجمع بينها الجوار عادة ما تعاني من مشاكل مماثلة. وبدوره شكر جلالة الملك كولن باول الذي أخبره أن الجنود الإسبان سيغادرون الجزيرة بعد نصف ساعة. وعندها طلب مني جلالة الملك العودة إلى المغرب “.
ويقول باول في تصريحات وردت في كتاب The post-american World لمؤلفه فريد زكريا، رئيس تحرير الطبعة الدولية لمجلة Newsweek الأمريكية : ” لقد أدركت الحاجة إلى اإخاذ قرار من أجل التوصل إلى حل وسط على وجه السرعة لأنه إذا لم يتم ذلك، فإن كبرياء البلدين قد يسيطر على مواقفهما ويؤدي إلى تعذر حل المشكلة، وقد يطرأ تشدد في المواقف على نحو يجعل المسؤولين فيهما يلجؤون إلى العناد”.
ويحكي باول، على صفحات الكتاب ذاته، أنه كانت لديه مشكلة شخصية ينبغي عليه مواجهتها قبل محاولة إيجاد حل لأزمة جزيرة ليلى، فأحفاده كانوا سيصلون إلى بيته لقضاء عطلة نهاية الأسبوع والإستمتاع بالسباحة هناك في حمام السباحة الكبير، ولهذا فإنه قام بإعداد مسودة إتفاقية عاجلة وذلك على جهاز الكومبيوتر الشخصي المتوفر لديه في منزله، وكان يتعين عليه بعد ذلك أن يحصل على موافقة الجانبين الإسباني والمغربي عليها ولذلك بعث بالمسودة عن طريق جهازز الفاكس، بعد الموافقة إلى المسؤولين المعنيين في البلدين.