Web Analytics
غير مصنف

عندما يحدثونك عن الاستثناء المغربي… قل الجواب في التقارير الدولية

تتناول الكتابات السياسية ما يسمى «الاستثناء المغربي» في ظل الربيع العربي، وهي مقولة ليست بالجديدة، رغم محاولة أقلام إعلامية وسياسية رفعها إلى مستوى النظرية.
فقد كان نظام الملك الراحل الحسن الثاني بدوره يتحدث عن الاستثناء المغربي، لكونه كان الدولة الوحيدة في العالم العربي التي تشهد خلال العقود الماضية انتخابات (مزيفة بطبيعة الحال)، وهامشا للحرية رفقة لبنان، في وقت كانت فيه أغلبية الدول العربية تحت حكم فردي أو جماعي لهيئة واحدة، أكانت ملكية أو حزبية. ويجب العودة إلى التاريخ لفهم هذا الاستثناء المغربي، إن سمي استثناء، وظروفه السياسية والاجتماعية. والحديث عن الاستثناء المغربي يتطلب العودة عقودا إلى الوراء، وبالضبط حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 لرصد هذه الخاصية. فقد حصل المغرب على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي والإسباني بعد تضحيات كبيرة، وكانت الحركة الوطنية هي السبّاقة إلى مواجهة المستعمر، بينما انخرطت الملكية في البدء في مخططات دعم الاستعمار مكرهة أو عن طيب خاطر إنقاذا لنفسها. فالسلطان الذي وقّع على استعمار المغرب هو المولى عبد الحفيظ سنة 1912، بينما كان المغاربة يجاهدون. والسلطان الذي ساند جرائم الاستعمار، بما فيها جرائم الحرب الكيماوية ضد ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي منتصف العشرينيات من القرن الماضي هو السلطان المولى يوسف، ويعد هذا العمل من أبشع الفصول التاريخية في المغرب، الملفوفة في صمت من طرف الكثير من المؤرخين حتى الآن. بينما استعادت الملكية شرعيتها مع التحرك المتأخر للسلطان محمد الخامس، جد الملك الحالي محمد السادس، عندما انخرط في مشاريع التحرر التي باشرتها الحركة الوطنية لاستعادة المغرب لاستقلاله.
وتحقق الاستقلال بفضل الحركة الوطنية والملكية سنة 1956، حيث اشتركا في العمل النضالي، وإن كان دور الحركة الوطنية أكبر بكثير وفق المعطيات التاريخية، عكس ما يوحي به التاريخ الرسمي المغربي. ومنذ ذلك التاريخ، يشهد المغرب توازنا سياسيا، فكان من الصعب على الملكية إنهاء الحياة الحزبية، وكان من الصعب على الحركة الوطنية المكونة من أحزاب عتيدة مثل، حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولاحقا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، إنهاء مؤسسة عريقة مثل الملكية. وهذا السر في استمرار الحياة الحزبية في المغرب، والسر في استمرار الملكية، والسر في الاستقرار السياسي، رغم التوترات والتشنجات السياسية الخطيرة التي مرت فيها البلاد.
وحدث أن حاول طرف الانفراد بالحكم وكانت النتيجة سلبية. ووقفت تيارات من اليسار المغربي وراء محاولات انقلابية، فلم تنجح وأدت ثمنا سياسيا غاليا. وحاول الحسن الثاني التحول إلى سلطان مطلق عبر خلق حاشية فاسدة تتمتع بكل الامتيازات مقابل تعزيز سلطته ونفوذه، فكانت إنذارات من الجيش عبر انقلابات عسكرية لم تنجح، لكنها جعلت الملك وقتها يتراجع عن السلطوية المطلقة، ويبحث عن إشراك الآخرين في اللعبة السياسية لضمان استمرار الملكية. ولم يكن هذا الشريك سوى الحركة الوطنية عبر مسلسل متعثر لسنوات طويلة، ولكنه توج بما يعرف في الأدبيات السياسية المغربية «بحكومة التناوب» بزعامة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي. وعليه، ما يمكن تسميته استثناء مغربيا هو حالة من التوازن السياسي بين أحزاب الحركة الوطنية والملكية خلال العقود الأخيرة، لأنه لا أحد كان قادرا على تنحية الآخر. لكن هذا التوازن بدأ يحتاج إلى صياغة جديدة نتيجة ظهور لاعبين جدد منهم، مجتمع مدني قوي، وهيئات سياسية لا تؤمن بالخطوط الحمراء وتبلور ظروف اجتماعية وسياسية مغايرة للفترة الممتدة ما بين الاستقلال وحتى بداية القرن الجاري. لاعبون يقلقون النظام ويتعرضون للملاحقة، كما كتبت افتتاحية «نيويورك تايمز» يوم الاثنين 18 أكتوبر الجاري.
القول بالاستثناء يعني سيادة ظروف سياسية واقتصادية مريحة يمر فيها البلد الذي تطلق عليها هذه الصفة، وتشكل الدول الاسكندنافية مثالا ساطعا في هذا الشأن. لكن هذه الشروط يفتقدها المغرب، لا يترجم هذا الاستثناء في حياة كريمة وممارسة سياسية طبيعية. والاستثناء هو نموذج يغري أصحاب البلد والآخرين. وماذا نجد: مقاطعة الانتخابات عنوان بارز في الحقل السياسي، والرغبة في الهجرة عنوان آخر عن انسداد الآفاق، ورغبة في الانفصال عن الوطن، عنوان آخر في نزاع الصحراء، وإن كان أنصار تقرير المصير وكثيرون يقدمونه بمثابة تصفية الاستعمار.. والاستياء من الظروف الاجتماعية التي تجعل حالات ولادة النساء عند أبواب المستشفيات عنوانا آخر. ومضاعفة الحاكمين لثرواتهم بشكل خيالي بينما تتراجع القدرات المالية للشعب المغربي عنوان آخر كذلك.
والمغرب الذي يتمتع بالاستثناء، وفق الكثير من الأقلام السياسية والإعلامية، لا يعتبر استثناء في التقارير الدولية الخاصة بالتعليم والصحة والتشغيل. ويبقى ترتيبه مخجلا في هذه التقارير، يصنف وراء الكثير من الدول ولا يتفوق سوى على دول ضعيفة مثل موريتانيا والسودان واليمن، بل تتفوق عليه دول من قلب افريقيا عكس موقعه الجغرافي على أبواب أوروبا التي تعني النهضة وتعني التقدم. في الأدبيات السياسية الغربية يوجد مفهوم الاستثناء، وهي الميزة التي تتميز بها فرنسا في مواجهة الثقافة الأنكلوسكسونية، وتحاول ترسيخها منذ مدة طويلة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. والتشبث الفرنسي بالاستثناء ساهم في التأخر الذي تعاني منه فرنسا مقارنة مع العالم الأنكلوسكسوني، وهي عقدة الفرنسيين. الميزة الاستثناء تحولت إلى انغلاق، وتحولت إلى عدم الانصات وفهم العالم، وهذا بشهادة باحثين فرنسيين أنفسهم.
وما يقع لفرنسا يتكرر مع المغرب، عندما يحدثونك عن الاستثناء المغربي، قل الجواب في التقارير الدولية، وهي تقارير تعتمد المنهجية العلمية في عملها، وهي منهجية تساهم في التقدم بعيدا عن اللعب بالكلمات والتعابير، فالمعايير العلمية هي الوحيدة التي تنفرد باستثناء حقيقي، استثناء قول الحقيقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى