لاشك أن الشراكة مع الجمعيات حققت نتائج هامة في مجالات تنموية متعددة . والأكيد أن كل ذلك يحدث في ظل واقع يعج بإكراهات مختلفة.
إكراه الإيقاع العمومي
يتعين على الجهاز الإداري الذي يعقد اتفاق شراكة مع الجمعيات أن يضبط إيقاعه على نفس وتيرتها، وأن يخفف من وطأة الإجراءات والتعقيدات والمساطر، ويكون على استعداد لمواكبة أنشطتها والالتزامات المفروضة عليها في عقد الشراكة. غير أن الواقع ينجب مئات الجمعيات المعزولة والبعيدة عن المصالح الإدارية المعنية التي لا تستطيع المتابعة المتواصلة للعمل الذي يقوم به هذا الشريك.
فمن بين الإكراهات الأساسية لهذا النوع من الشراكة، نشير تحديدا إلى أن لكل شريك أو فاعل آفاقه وإيقاعه الخاص، و أن الشراكة تمر عبر مراحل ومحطات مشتركة في حين تظل معه وتيرة الجهاز العمومي مرتبطة بالإجراءات الإدارية بمعناها الواسع، كالزمن المطلوب للتحقيق في الوثائق و مشاريع الميزانيات السنوية والبرمجة المتعددة السنوات. ولكي ينصهر الجهاز العمومي في الشراكة عليه أن يكون قادرا على ملائمة إيقاع عمله مع الإيقاع الذي يتبعه الآخرون …
ولا نعني بذلك القدرة على مراقبة وتقييم الشراكة فقط. لأن تحقيق الهدف يتطلب أكثر من مراعاة الشكليات والشروط الواردة في الاتفاق، ويستدعي وضع الميكنزمات التي تجعل الجهاز العمومي يصاحب الجمعيات الشريكة، وينظر إلى ما تواجهه من عراقيل ويساعدها على تخطيها.
تنميط الشراكة
إن وضع نموذج لاتفاقية الشراكة في نطاق معين يسهل عملية التعاقد، لكنه يطرح مشكلة التنميط. أي الخضوع لشكل محدد مفروض مسبقا على الجمعيات التي تتقدم بطلباتها للمصالح الإدارية المختصة.
هذا النموذج من الشراكة شبيه بما يعرف في القانون المدني بعقد الإذعان الذي ينص على التزامات وشروط يفرضها الطرف الأول على الآخرين. بحيث لا يمكن تعديلها في جميع الأحوال.
وفي هذا الصدد، يرى الأستاذ محمد اليعقوبي أن : الإشكالية تتعقد أكثر حينما يتعلق الأمر بالدخول في شراكة على المدى الطويل مع الفاعلين الآخرين. لأن الشراكة الحقيقية ترتكز على حرية التفاوض والمبادرة لكل الأطراف، وإلا سيؤدي عكس ذلك بالسلطات العمومية إلى خنق وقمع فاعلين تعتقد أنها تحتضنهم.
إن المفروض في الشراكة مع الجمعيات في الميادين الحيوية، والمتعلقة بمحاربة الفقر والحد من تجليات الهشاشة ومسبباتها وتجفيف منابع التهميش، هو البحث عن حلول وأفكار جديدة، والاستعانة بكفاءات مسيريها وأطرها، وتجاربها في الأنشطة ذات الصلة بالتنمية البشرية والشاملة من أجل الارتقاء إلى ذلك العمل التنموي المتكامل الجوانب.
بيد أن تنميطها من خلال وضع نموذج واحد يهم جميع الجمعيات ولا يراعي الفوارق السائدة بينهما من حيث القدرات التي تتوفر عليها، يقضي على هذه الإمكانية إلى حد بعيد، ويمكن أن تتمخض عنه نتائج سلبية على الغاية المتوخاة من هذه الشراكة المنمطة .
في اختلات العمل الجمعوي
إذا كان العمل الجمعوي يعيش في السابق نزعة تجزيئية ألقت به في دوائر محدودة ومغلقة، فإنه في الظرفية الراهنة يتجه نحو جسور التفاعل مع مختلف الميادين، لأنه يخضع لمحك الواقع اليومي. وبالتالي يستطيع أكثر من أية مؤسسة أو بنية اجتماعية أخرى إنتاج المحاولات الخلاقة التي تتماشى وقضايا المواطنين . لكن وبحكم ارتباطه المتواصل بالفئات الشعبية يسقط النسيج الجمعوي في تغليب جانب الكم على حساب الكيف.
إن التيار السائد والمهيمن، هو الذي يقيس نجاح البرامج بإقبال الجماهير عليها، في حين أن الأهم في كل ذلك هو التجاوب مع تطلعات وانتظارات الفقراء والراغبين في النضال من أجل مستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة. فعنق الزجاجة الذي يحاصر الحركة الجمعوية هي القدرة على الإنجاز والفعل التنموي الملموس.
كما أن النسيج الجمعوي في حاجة إلى الرفع من مستوى الشفافية والنجاعة في أدائه، من خلال تدقيق التسيير المالي والمحاسباتي الذي يعرف عددا من الإشكالات ومظاهر الضعف، خاصة تكريس الشفافية المالية وتعزيز الشرعية والمشروعية المحساباتية والاشتغال على الاحترافية والمهنية في التدبير المحساباتي.
هذه الاتهامات الخطيرة تسترعي الاهتمام وتحتم التحقق من مداها اعتبارا لتداعياتها التي قد تنسف أسس الشراكة بين الدولة والجمعيات من أجل العمل على تحقيق التنمية، حيث يتم صرف المال العام من أجل غاية محددة.
وفي هذا الإطار، من الصعب العثور على وثائق أو أدلة تدين أحد أعضاء الجمعيات، علما أن مصدر سوء التسيير قد يكون هو الشريك الأول أي الإدارة وليس بالضرورة الهامش المتروك لدور الجمعيات. لنتصور عملية تواطؤ بين الإدارة ومسيرو جمعية معنية على جعل التنفيذ أو جزءا منه وهميا، بمعنى على الورق فقط.
على هذا النحو ستكون الخسارة فادحة، لأنها مزدوجة: ضياع المال العام من أجل الاحتفاظ بالفقر، وتعميق الأزمة وليس العكس .
لذا يتعين على المسؤولين والجمعيات أن يدركا جيدا أن المال العام يحرق الأيادي التي تمتد إليه بدون موجب حق.
وإذا كانت الإدانة في مثل هذه القضايا لها مجالها الخاص وما يرتبط به من قواعد ومساطر وإجراءات. فإن احتمال سوء تسيير برامج الشراكة بين الجهاز العمومي و الجمعيات يبقى قائما بالأوجه التي بدت وغيرها