ما أروع المواقف والمناسبات التي نجتمع فيها صغارا وكبارا، نحتفل بذكرى وطنية أو نُشيد بأعمال أبناء وطننا تجاه الوطن أو نسترجع ماض يُحكى لنا عنه أن أجدادنا البواسل أبلوا فيه البلاء الحسن أو نكرم رجالا كرسوا حياتهم من أجل قضية، نجتمع فرحين مع من شاركوا في هذا العرس الوطني الكبير، نستمع لقصص تحملنا فوق بساط الفخر والاعتزاز ليعلو بنا في سماء الخيلاء، ويسبح بنا في عالم يصوره لنا هؤلاء الذين يعتلون المنصات بكل الألوان البديعة والأضواء البراقة، فتعلو وجوهنا البسمة البلهاء ويغمر نفوسنا الحبور الساذج مهللين ومصفقين على الكلمات الجوفاء، نبتسم وفي حناجرنا غصات وأنفاسنا تتقطع تنهيدات فحسرات.
من الذي حكم علينا بالغباء ونحن في زمن لم تعد تخفى عنا فيه خافية وأصبح للقلم صدى في المنابر العالية، زمنٌ تعطلت فيه الضمائر وتهافتت النفوس على المصالح الذاتية، وأنْسِي الشعب والأرضُالتي لا زالت مكبلة بالقيود الاستعمارية ؟ عجبا هل قلت الاستعمارية !! نعم للأسف، ونحن في الألفية الثالثة.
نقضي الأيامَ نَصلها بأيامٍ نُحيي فيها أحداثا مرت وأخرى لا زالت عالقة في مصْيدة الزمان، وأخرى نمر عليها مرور الكرام، كمرورنا على مراقد أقوام نيام خشية إزعاجهم بقضايا لا يحسُّها إلا أشباه الأحياء القابعين في الزوايا المعتمة من تاريخ هذا الوطن، تلك العناصر البشرية التي حُكم عليها بالزج في غياهب التجاهل والنسيان، وإذا قُـدّر وأثيرت تساؤلات في هذا الشأن يُصوب أصبع الاتهام نحوها بتسْييس الأجواء وتسميمها بالحديث عن “الوطن”، حتى أصبح الدفاع عن ممتلكات البلاد شيء محضور في حضرة حكام الوطن، حكامٌ تعجبك فيهم فقط أناقتهم في المحافل الدولية، وهم يأخذون صورا تذكارية مع أشباههم من الدولة الغازية لرعايتهم الشاملة لأجزاءٍ ترابية حُسبت على الضفة الأخرى بكل سخاء وأرْيَحية، ففي حديث وزير الداخلية الإسباني “خورخي فيرنانديثدياث” في رده على أسئلة أمام البرلمان بإسبانيا أن ما يقوم به المغرب من طرد للمهاجرين الأفارقة على حدود سبتة ومليلية هو دفاع عن إسبانية المدينتين !!وبالمقابل يكتفي ممثلوا الوطن هناك بالتمتمة بكلمات الامتنان للإطراء الذي نالوه عن أعمالهم الدءوبة لإرضاء أعداء الوطن، كما لو أن سبتة ومليلية تفصلنا عنهما القارة الآسيوية، ولم يبق لهم إلا أن يشاركوهم في احتفالهم بمرور ست مائة سنة على احتلال سبتة،هذا الاحتفال الذي كُرس له مجهود جبار يهدف إلى تهيئة جيل جديد بمعلومات جديدة عن تاريخ المدينة وما أنجزته الكنيسة لها عبر هذه القرون الست، والهدف الأكبر حمايتها من عودة الإسلام إلى الأندلس.
وأي إسلام، هل لا زال الأغبياء يحسبوننا أقوياء ؟ إسلامنا توارى في القلوب اليائسة من مسلمي هذه الحكومة الهائمة في كل واد تصول وتصدر الأحكام الصارمة، إلا عن مشاكل البلاد فهي نائمة، أين هم من شهداء الوطن الشرفاء على امتداد مساحة هذا الوطن، أين هم من حكمتهم ومهابتهم وحسن تدبيرهم، أين هم من عهد ليس ببعيد منا لم يكن أحد يجرؤ عل ذكر المدن والأجزاء المستعمرة، حتى لا تثار حفيظة أي من الطرفين كأنهما شوكة مغروسة لا تزول إلا بالدم، ولِم الحديث عن الأجزاء المستعمرة، لنتحدث عن الأرض التي تجمعناوأحداثَتشاركناها بجوارحنا وحبنا، وهتفنا لها بالنصر لأنه فوزنا وعُلوّ شأننا بين البلدان، نصرٌ حكم عليه بالخذلان، مَن الذي كتم الفرحة في القلوب وخيب شعاع الفخر في العيونمَن كسر خواطر الأبطالأبناء هذا الوطن، لا بل أبناء تطوان، المدينة المنسية المضافة إلى أختيها سبتة ومليلية، مدينة الالتفاتة الجميلة في تكريم المسؤول عن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية،الذي لم يكلف نفسه عناء إرسال بعثة تصوير الحدث التاريخي الذي توّجَنا به فريق المغرب التطواني بمصر، نُكرم من يخذلنا ويدير لنا ظهره يا للسخرية.
أي اهتمام وأي حكام وأي مصير ينتظر هذا الوطن؟، تعبنا من الاستماع إلى تفاهاتكم سئمنا حكاياتكم، هرمنا ولا زلنا في بدايةالعمر، ضيعتم أحلامنا سفَّهتم أمجادنا، أي عار ألحقتموه بنا علَـنًا حتى توارى العار خجلا من أعمالكم وأخلاقكم ورنات سِبابكم تحت قبة برلمان الشعب المقدس.
ترفعوا تعفّفوا تمسّحوا بطُهر التراب المعطر بدماء الشهداء لعله يُكسبكم حب التضحية والفداء، لعله يعلمكم كيف يُحَب الوطن، ويُزهدكم في المطامع ويُرقيكم إلى صفوف الزعماء مخلصو هذه الأرض بكاملها من الاستعمار بقلم، لم تستطيعوا أنتم تحرير قطعة منها مع توفر الأقلام، موحدو بلاد الأطياف والأعراق والأنساب شتتموها بعنصريتكم وغروركم وأنانيتكم، فإليكم أوجه الاتهام في قضية هذا الوطن.