إليكم نص الكلمة التي ألقيتها مساء يوم الخميس 16 أبريل 2015 في لقاء مع التلاميذ بمدرج ثانوية الإمام الغزالي التأهيلية التقنية، والتي شارك فيها كل من الدكتور سفيان الخمال، المقاولة سعيدة أفاسي، محمد بودن المحلل السياسي، و الباحث أحمد الدرداري، بحضور مدير المؤسسة التعليمية وأطرها التربوية وتسيير الأستاذ فؤاد التزيلي، وذلك في إطار تعريف التلاميذ بالتجارب المختلفة للمتدخلين سواء في المجال الإعلامي، المقاولاتي، الطبي، السياسي والحقوقي.
نص الكلمة:
يشرفني، بداية، أن أكون معكم في هذا اللقاء، خصوصا في مؤسسة تعليمية أكن للمشرفين عليها ولطاقمها الإداري ولأساتذتها وتلامذتها كل المحبة والتقدير. فأنا سبق لي أن أقمت في مبنى هذه المؤسسة عندما كان والدي مديرا لإعدادية الإمام الغزالي التي تحولت منذ فترة إلى إعدادية عمر عبد العزيز.
يبدو منذ الوهلة الأولى أن الحديث عن التجربة الصحفية واختزالها في دقائق معدودة أمر في غاية التعقيد، لأن الأمر يتعلق بتجربة حياة ما، اختيار ما، ورغبة في اقتحام عالم مأهول بالمصاعب.
وفي حقيقة الأمر، إن الحديث عن الصحافة هو حديث عن مهنة المتاعب. قد يتصورها البعض عملا بسيطا، إلا أنه يحمل في ثنياته صعوبات متعددة الأبعاد. فالصحافة إجمالا هي صحافة ورقية، أو وكالة إخبارية، أو قنوات تلفزية أو محطات إذاعية عامة أو خاصة أو مواقع إلكترونية. وحتى أقف عند تجربتي، شخصيا، يمكن القول إنني بدأت بكتابة مقال ( أو تعليق) صغير بإحدى الصفحات بجريدة الاتحاد الاشتراكي سنة 1986 وأنا طالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ثم توقفت عن الكتابة لمدة طويلة، حيث ما كان يهمني بالدرجة الأولى هو الحصول على شهادة الإجازة، ثم قراءة كل ما تتناوله يدي من كتب في مجالات مختلفة سواء بالعربية أو الفرنسية، إضافة إلى قراءة الصحف، خاصة الصحف القوية في تلك المرحلة: ومن بينها الاتحاد الاشتراكي والعلم، وكنت أميل لقراءة جريدة الاتحاد الاشتراكي والتركيز كثيرا على ملحقها الثقافي، لأتحول بشكل لم يكن متوقعا إلى النشر في جريدة العلم، وفي صفحة ” حوار” تحديدا. كنت أنشر تباعا ابتداء من سنة 1990 ترجمات أدبية لمقالات الكاتب الفرنسي رولان بار ت، ثم بعد مدة قصيرة نشرت كمترجم آنذاك في ” الملحق الثقافي ” لجريدة العلم. والواقع أن الترجمة الأدبية أفادتني كثيرا سواء على مستوى تطوير اللغة أو أسلوب الكتابة. كما أنني تمكنت من التعرف على كل من الشاعر الصحافي نجيب خداري والكاتب الصحافي عبد الجبار السحيمي رحمه الله رئيس تحرير جريدة العلم، الذي شجعني على الإلتحاق بهذه الجريدة كمراسل صحافي من مدينة تطوان والتخصص في الجانب الثقافي والفني، ومن هنا توطدت علاقتي بالصحافة، حيث أنجزت مجموعة من المقالات والحوارات وغير ذلك… ثم بين عشية وضحاها أصبحت أكتب في قضايا ذات طبيعة سياسية واجتماعية وأنجزت حوارات وريبورتاجات وغيرها. ولكن على مدى سنوات من العمل الصحفي مع جريدة العلم كنت أتصف، وهذا ليس تقريظا للذات، وإنما هي الحقيقة، بأمرين: المصداقية والتحري، ولا يمكن أن يكون الصحافي صادقا وناجحا في عمله دون التأكد من مصادره بشكل دقيق وفعال، وأن يكون صادقا في ما يكتبه والذي سيقرؤه الناس، لأن عدم الصدق والتحري والدقة يقود إلى الإساءة للآخرين ويسقط العمل الصحفي في سلوكيات غير مهنية وأخلاقية، حيث ينعدم احترام ميثاق الشرف.
في الواقع، كمراسل صحافي لجريدة العلم عانيت من نوع من الصعوبات. كنت، أنا وزملائي، نشتغل بطريقة جدية، لكننا لم نكن نتلقى تعويضات في مستوى الجهد الذي كنا نبذله، الأمر الذي جعلنا نغادر هذه الجريدة في أوقات متفرقة…
ما يمكن أن أقول، باختصار، هو أنني استفدت من هذا العمل الصحفي، لا أقول على المستوى المادي، بل على المستوى التكويني، حيث استفدت من تكوينات مع مؤسسات مغربية وألمانية وإسبانية، ونشرت في العديد من المنابر الإعلامية بجهة طنجة تطوان، وبجريدتي ” العرب اليوم” الأردنية”، و” المنارة ” العراقية، وغيرها. كما عملت كذلك مراسلا صحفيا لجريدة ” الشروق”، التي أغلقت، مع الأسف بعد سنة من العمل معها… كما أنني استطعت، بفضل هذا العمل الصحفي، الذي لا يخلو من مصاعب، تحقيق ذاتي، وأسلوبي في الكتابة الصحفية التي لا تتطلب إلا الكتابة ” السهلة” التي تصل إلى الآخرين من دون زيادة أو تخييل أو اختلاق، ولكن بأسلوب بعيد عن الركاكة، والذي لا يجعلك عند قراءته تشعر بالسأم والخيبة.
وإذا سمحتم، أخيرا، أن أقول، باختصار، إنني تحولت، رغم كتاباتي الصحفية “في جريدة ” تمودة تطوان” الورقية، وجريدة ” شمال بوست” الإلكترونية إلى الكتابة الأدبية والإبداعية، حيث أصدرت إلى الآن ستة كتب: أربعة مجاميع قصصية، هي ” الظل”، ” جنون الحاكم”، ” زهرة الخشخاش” و” أسرار”، وروايتين: ” ناتاليا” و ” الأبواب السبعة، القمر المحجوب” – التي قدمتها أخيرا بالمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان-، وستصدر لي قريبا عن مطبعة ” الحمامة” رواية جديدة بعنوان ” روندا: ارض الأحلام”.