تحضر الأسئلة تباعا، عندما تصب في مدى توفق مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط بصيغته الراهنة، في أن يصبح مهرجان الساكنة بامتياز. وبمعنى أبسط وأوضح، هل يقدم المهرجان بشكله التنظيمي الحالي السينما للناس ؟ وهل يحقق بالفعل أهدافه الرئيسة في نشر الثقافة السينمائية في صفوف قطاعات وشرائح واسعة بالمدينة التي تحتضنه ؟ وهل بإمكانه أن يفتح النقاش عموميا حول القضايا المركزية التي تنشغل بها دوراته وورشاته السنوية ؟.
ومن ثم، يبدو طبيعيا أن يتساءل المتابع، كم أنتجت مدينة مهرجان البحر الأبيض المتوسط من مشتغل في مجال حرف ومهن السينما ؟ فهل هو بالفعل مهرجان نخبة ؟ أم نخبة النخبة ؟ أم مجرد موعد وتقليد سينمائي يتكرر سنويا بنفس الوصفات والأشكال كما تتكرر وجوه حاضريه والمشرفين عليه والمشاركين فيه ؟ يقاوم فقط من أجل الاستمرار؟..
كل هذه الأسئلة وغيرها، تبقى حاضرة ومفتوحة على النقاش الرصين والهادئ والمتحيز لضرورة وحتمية استمرار مهرجان سنيما البحر الأبيض المتوسط كإحدى المكاسب الثقافية والتاريخية، لمدينة شهدت النقاش السينمائي المستمرعلى عهد نادي الشاشة، ثم في رحاب جمعية أصدقاء السينما، فمؤسسة المهرجان في صيغتها المحترفة. حيث الذاكرة التاريخية السينمائية للمدينة تسجل انتقال النقاش والاشتغال في مجال قضايا السينما ولغتها الجمالية من فضاء شاشة النادي المذكور وحلقياته إلى مجالات أرحب للملتقى السينمائي، ثم إلى ورشات بمستوى أعلى تفتحت معه عيون المنظمين على سينما البحر الأبيض المتوسط كتخصص وحيد يميز تطوان عن باقي المدن المغربية المهتمة بتجارب وعناوين وطنية ودولية أخرى.
الأكيد ، وحتى لايفقد المهرجان ذاكرته التاريخية المتميزة في إطار عملية استرجاع زمني واع، يجب أن يعيد مقاربة سؤال البداية والحاضر ليقف بكل موضوعية على حقيقة ” ما أوسع الفكرة في البدء وما أضيقها الآن “. فعلا وللموضوعية ضاقت مساحة النقاش في المهرجان، وانحسرت المواكبة لفعالياته، وقاطعته وجوه ولوعة بالسينما لأسباب وبدون أسباب، واحتلته ميليشيات أخرى بكل الصفات وبغيرالصفات. كما فشل المهرجان في توسيع نخبته، غاب عن الجامعة وغيبها في برامجه، ولم يستطع أن يرسي منظورا مؤسسا للسينما في المجالات التربوية رغم انفتاحه وشراكته مع أكاديمية التربية ونيابتها حيث التجريب لايتعدى 5 أفلام تربوبة يتيمة في السنة.
وفي ظل حرمان الساكنة وعدم قدرتها على ولوج السينما كفضاء بات مقصورا على النخبة أيام المهرجان، لم تفكر السينما من جهتها في احتفاليتها المتوسطية على امتداد أسبوع أن تنتقل بشاشاتها إلى الأحياء الشعبية، لم تفكر إدارة المهرجان في خلق قوافل متنقلة يشارك فيها نجوم السينما من حق عموم الناس أن يلتقطوا معهم الصور، ويسترقوا منهم كضيوف عموميون لحظة حديث وبسمة ثغر، عوض أن يقتصر ذلك الحق على عاشقي جمع الصور.
لم تعن كذلك مؤسسة المهرجان بتحويل ساحات الأحياء وحدائقها إلى ساحات لمشاهدة سينما على مقاس أفكار الناس دون خلخلة أو تكسير أومواقف ، أن تمنح للشيوخ والنساء والأطفال سويعات لتأمل الحكايات، فيتابعون صورة ويسمعون صوتا على إيقاع أكواب شاي وأكياس “بيبا” مجانية حتى مستخلصة من ضرائبهم..
هذا النوع من الانتباه قادر أن يتجاوز كل الأفكار والانتقادات الشعبوية التي تطال الذمم، وتبخس القيم المضافة للمهرجانات الفنية والثقافية. هذا الانتباه قادر أن يرسخ الحق في الثقافة والمعرفة إلى جانب الحق في العيش والكرامة والخدمات الاجتماعية. قادر على تكريس ثقافة الاعتراف بما يبذله المنظمون الذين كرسوا حياتهم للسينما. كما أن هذا النوع من الصيغ هو الذي ينتزع الدعم المالي من السلطات المنتخبة والوصية عليها، وهو الذي يعطي المصداقية الحقيقية للموزع الثقافي ويجعله مرتبطا بقضايا الناس.
في هذا المنحى يجب أن تعمل كل المهرجانات الثقافية والفنية، مسرحا وعودا وعيد كتاب ومهرجان سينما البحر الأبيض لتصبح مشاتل حقيقية لإنتاج الأفكار وإبداع الصيغ من أجل إسعاد الناس نخبة وعامة أيضا