مدارة طرقية فقط تفصل بين عالمين، الاول تحول في ظرف وجيز خلال السنوات الاخيرة إلى واحد من أهم الواجهات السياحية على الساحل المتوسطي للشمال المغربي، والثاني لازال يقاوم غبار التخلف والتهميش وتمثله “جماعة بني سعيد” أو “جماعة المطنى” كما تسمى بين سكانها.
شمال بوست زارت جماعة “بني سعيد” التابعة لاقليم تطوان، والتي يرأسها السيد “محمد العربي المطنى”، ووقفت على مدى التخلف والتهميش والاقصاء والنهب الذي يؤثث مختلف جوانب هذه الجماعة القروية المنكوبة.
السوق الاسبوعي.. أو العودة للعصور الوسطى
رغم أنه يعرف بين أهالي قبائل جبالة بسوق “سبت وادلاو” إلا أن الجماعة الواقع فوق نفوذ ترابها هذا السوق الاسبوعي هي جماعة بني سعيد، ورغم الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها هذا السوق الاسبوعي باقليم تطوان وما يمكن أن يشكله هذا الامر في الدفع بالتنمية المحلية للمنطقة والاسهام في إبراز تراثها المحلي إلا انه يبقى أهم واجهة للتخلف بالجماعة ونهب المال العام.
الطريق الرئيسية مقطوعة بالفراشة
ظلت سيارتنا لأكثر من ساعة متوقفة وسط الطريق قبل أن نتمكن من المرور بين زحمة الباعة الجائلين الذين يحتلون كل جنبات الطريق الوطنية رقم 2 الرابطة بين واد لاو وشفشاون، والذين يستغلون السوق الاسبوعي “السبت” لعرض بضائعهم في غير مكان العرض، ورغم احتجاجنا إلى جانب أغلب السائقين أصحاب السيارات إلا ان كل اجوبة الدركيين كانت تحمل مسؤولي جماعة بني سعيد مسؤولية العرقلة التي تعرفها تلك الطريق خلال كل يوم سبت.
شمال بوست استفسرت عددا من السائقين والسكان عن هذه العرقلة فكانت الاجوبة شبه موحدة، حيث قال سائق سيارة أجرة “العرقلة سببها مسؤولي الجماعة الذين يجنون الملايين كل أسبوع من الفراشة الذين يعرضون بضائعهم على جنبات الطريق، رغم أن السوق به أماكن كثيرة فارغة” وفي نفس السياق يضيف شاب من سكان المنطقة “كل الفراشة الموجودون خارج أسوار السوق يدفعون لموظف الجماعة وهو بالمناسبة من عائلة الرئيس ومعه أحد أفراد القوات المساعدة، وكل تلك الاموال التي يتم جبيها من خارج السوق تذهب إلى جيب الرئيس والقائد”.
داخل أسوار السوق الاسبوعي
بشق الانفس تمكنا من ركن سيارتنا وسط فوضى “جماعة الماطنا” وترجلنا داخل السوق الاسبوعي، الذي تفاجئك في مدخله برك وساقية كبيرة للواد الحار تمتد من المدخل إلى حدود المكان المخصص لبيع السمك، حيث يستغلها بائعوا السمك في غسل أسماكهم، وفي استفسار لشمال بوست عن خطورة الامر على الصحة العامة للمستهلكين أجاب بائع سمك “لي ما قتل يسمن.. الواد الحار لا يؤثر في سكان المنطقة، السي الرئيس المطنى مثقفهم” (الثقاف في المفهوم الشعبي هو منع حدوث الشي سواء كان خيرا أو شرا).
لم نكد نبتعد عن سوق السمك حتى فاجئتنا من جديد مناظر اللحوم وقد انتشر فوقها الذباب والغبار، حيث تغيب كل رقابة صحية، خاصة أن تلك اللحوم تباع بشكل غير محمي وفوق طاولات متسخة وغير محاطة بوسائل التبريد والتعقيم، وعن هذا الوضع قال بائع لشمال بوست “الي عطا الله والسوق هو هذا.. لو كانت الجماعة وفرت لنا أماكن مخصصة لبيع اللحوم لكنا بها الان”.
الفوضى والعشوائية وعدم التنظيم.. كلها مظاهر تؤثث المشهد العام لواحد من أكبر الاسواق الاسبوعية بشمال المغرب، كان يمكن أن يكون مدخلا لتحويل “جماعة بني سعيد” لواجهة كبرى للتنمية المحلية خاصة أنه يمكن أن يشكل مدخلا ماليا ضخما لخزينة الجماعة، غير أن رياح “الماطنا” تسير بما لا تشتهي سياسات الدولة في مجال التنمية.
وتعليقا على موضوع مداخيل السوق الاسبوعي صرح ناشط مدني ببني سعيد قائلا “الجميع يعرف ان رئيس الجماعة ومعه بعض نوابه والقائد يستفيدون من فوضى السوق، لأنها تذر عليهم أموال كبيرة كل أسبوع، فيكفي مراجعة ما راكموه من ثروات لمعرفة حجم النهب الذي تعاني منه جماعة بني سعيد” يضيف الناشط المدني “يكفي مقارنة جماعة بني سعيد بواد لاو القريبة للوقوف على حجم التخلف الذي تعرفه هذه الجماعة المنكوبة”.
مركز صحي مع وقف التنفيذ
أثار انتباهنا تواجد سيارة اسعاف وسط بركة للواد الحار بالسوق الاسبوعي، لنتسائل عن مكان أقرب مستوصف.. سؤال أثار ضحك واستخفاف من سألناهم من سكان الجماعة، لأن اغلبهم يلجأ إلى واد لاو أو تطوان لتلقي العلاج بدعوى أن المستوصف الموجود بجماعتهم لا يعمل والطبيبة التي كانت به قد غادرت دون توضيح أو تعويض لها، والممرض المسؤول لا يمكنه أن يتدبر أمر الصحة العمومية بجماعة كبيرة لوحده.
توجهنا نحو مقر المستوصف للوقوف على حقيقة ما سمعناه من المواطنين، غير أننا لم نتمكن من لقاء أحد به، لأنه ببساطة كان مقفلا ولا تبدو عليه معالم العمل.. فزجاج النوافذ مكسور، والابواب موصدة يعلوها الصدأ.
انتهت زيارتنا للسوق الاسبوعي، وحاولنا جاهدين البحث عن مطعم مناسب لتناول الغذاء، المهمة كانت أشبه بالبحث عن ابرة في كومة قش، ولم نكن وحدنا نبحث، فقد صادفنا أجنبيين من جنسية فرنسية يحاولان أيضا إيجاد مطعم يليق بسوق قيل لهم أنه الاكبر في شمال المغرب..
الفشل في إيجاد مطعم لم نكن نحن المسؤولين عنه، لأنه للاسف لا يوجد، ولأن جماعة “الماطنا” لا يهمها تحويل سوقها الاسبوعي ذو الصيت الوطني، إلى موعد أسبوعي لإبراز تراث المنطقة وتنميتها، ولكن كل همها يقتصر في جمع غنائم الاسبوع من الفراشة وتنمية ثرواتهم.
ملاحظة لا علاقة لها بالسوق الاسبوعي
المنزل الوحيد الذي تمت تنميته وتزويده بالانارة العمومية بجماعة بني سعيد أو جماعة المطنى، هو منزل السيد النائب الأول للرئيس مصطفى البقالي.
** لنا عودة لتحقيقات حول البناء العشوائي.. وتخريب الوديان.. ونهب الغابات… بجماعة بني سعيد