تزخر مدينة تطوان بالعديد من المعالم الأثرية، منها معالم مكشوفة، وأخرى مستورة. وكانت منظمة اليونسكو قد صنفت مدينة تطوان تراثا عالميا سنة 1997، ويضم هذا التراث- كما يقول الدكتور امحمد بن عبود – ” أسوار المدينة وأزقتها وساحاتها ومآثرها التاريخية. وكلها توجد بالمدينة العتيقة وتعتبر جزءا منها.
وتضم المدينة العتيقة نوعا ثانيا من التراث وهو التراث الشفوي”. ويضيف أن هناك تراث من نوع ثالث. إنه تراثا عالميا شأنه شأن شوارع المدينة العتيقة وساحاتها ومنازلها ومساجدها وزواياها وأضرحتها. إلا أنه لا يوجد فوق الأرض بل يوجد في باطنها”.
ومن هذا التراث ” سجن المطامر”، الذي جاء إصلاحه وترميمه في إطار مشروع تأهيل المدينة العتيقة بتطوان ووقع على مشروع إصلاحه وترميمه أمام الملك محمد السادس. وقدرت الميزانية المخصصة لهذا السجن ب 6 مليون درهم. كما خصص لهذا المشروع ضمن برنامج الترميم مدخل له بدار بن مرزوق الذي اكترته الجماعة الحضرية بمبلغ 5000 درهم شهريا لمدة سنتين، ولكن من غير جدوى، حيث ” رفعت يدها على أداء واجب الكراء… “.
على مستوى آخر، ذكرت مصادر مطلعة أن دراسة مؤسسة أثبتت أن “سمك الأرض لم يبقى فيه إلا أمتار قليلة تهدد هذا التراث بالانمحاء بشكل نهائي”. إضافة إلى بروز بعض الحفر على السطح، الأمر الذي يؤشر على وجود خطر كبير على المواطنين، وبرغم إخطار السلطات المحلية والمنتخبة من طرف فعاليات المجتمع المدني، فلم تكن هناك أية استجابة.
ولا يخفى على الباحثين والمتتبعين لهذا التراث أن هذا التراث ينتمي إلى القرن السادس عشر، ويتميز بوجود الكنيسة. وتروي المصادر أن الثلاثة آلاف أسير الذين ساهموا في بناء “المدينة المنظرية” كانوا يحبسون ليلا داخل هذه المطامر، ولازالت هذه الزنازن موجودة تحت “حومة المطامر” بحي البلاد، وكان يوجد بها مدخلان تمت دراستهما علميا سنة 1921، لكنها أغلقت نهائيا بعد هذا التاريخ.
وبهذا التراث هيأ سجن فصل بين غرفاتها بجدران من الآجر، وأهم غرفة بهذا السجن كانت تمثل الكنيسة التي بنيت على هيئة ثلاثية الفصوص. وكان الآباء القادمون من أوربا لافتداء الأسرى يقيمون القداس بالكنيسة داخل الزنازن. كانت مخصصة لصلاة نزلاء الأسرى المسيحين. وبقيت المطامر مستعملة خلال القرنين السابع عشر، و كما يحكي إيمانويل دارونت، الذي كان مسجونا فيها أواسط القرن السادس عشر، فإن الزنازن كانت تأوي 170 أسيرا من إسبانيا والبرتغال كانوا ينتظرون افتداءهم، ويصف ظروف السجن بأنها كانت سيئة للغاية.
أما جيرمان مويت الذي يعرف “المطامير” جيدا، فإنه يقول عنها أنها كانت بمثابة القبور بالنسبة للأسرى. من هذا الجانب، يقول الدكتور امحمد بن عبود ” إذا كانت نظرة عامة الناس إلى المقابر والمطامر وشبكة ماء السكوندو نظرة قصيرة اعتبرت هذه المآثر جزءا من الظلمات تحت الأرض بعيدة كل البعد عن الإنسان الحي وبعيدة عن الحياة بجمالها وأضواءها، فإننا نحن المشاركون في إنجاز هذا المشروع ركزنا على جمالية الذاكرة الثقافية والفكرية والفنية والتاريخية التي يمثلها علماؤنا وشعراؤنا وفقهاؤنا التي حافظت الذاكرة الجماعية على إبداعهم وإنتاجهم الثقافي بصفته جزءا من هويتنا الثقافية المحلية والوطنية في آن واحد. وكل هذا يتمثل في المقبرتين اليهودية والمسيحية بتطوان عموما والمقبرة الإسلامية بتطوان على وجه الخصوص”.
ويضيف بخصوص ” المطامر” قائلا: ” أما المطامر، فهناك من يرى بأن أحسن اختيار في التعامل مع هذه الكهوف المظلمة يتجلى في مجانبتها ونسيانها وتركها على حالها. أما نحن، فإننا نعتبر أن المطامر التي توجد في عمق جبل درسة وتمتد في جميع اتجاهات المدينة العتيقة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ليست مجرد كهوف قديمة، إنها معلمة تاريخية تضم خزانا للقمح وسجنا على غرار سجون مماثلة كانت منتشرة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط في البرتغال وإسبانيا وإيطاليا ومصر وغيرها من الدول. إلا أن مطامر تطوان انفردت عن غيرها من السجود التي انتشرت في حوض البحر الأبيض المتوسط وذلك ببناء كنيسة كاثوليكية كبيرة تحت الأرض في قلب المدينة الإسلامية وهي كنيسة سميت Nuestra Señore de los Dólores خصصت للسجناء البرتغاليين وذكرها ليون الإفريقي (الحسن الوزان) وسربنطيس ومازالت معالمها الأثرية موجودة إلى يومنا”.
ويبقى في الأخير السؤال الملح: هل ستعمل الجهات المعنية والمسؤولة على إنزال مشروع إصلاح سجن المطامر إلى أرض الواقع، أم أنه سيبقى فقط حبرا على ورق؟… وما أكثر الحبر… وما أكثر الأوراق.