خرج من مدينة “الفنيدق” المغربية الصغيرة، في ظرف سنتين فقط، جوالي 400 شاب من أصل 1122 “جهادي” مغربي، يحاربون في صفوف تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، ما يدفع إلى التساؤل بخصوص طرق الاستقطاب والدّوافع التي تكمن وراء رحلاتهم إلى بؤر القتال.
من الحشيش إلى “داعش”
حثّ الأب ابنه على التمسّك بالدين، رغبة منه في أن يقلع عن تعاطي المخدّرات، لينتقل الابن بعد ذلك إلى سوريا للقتال هناك برفقة “داعش”، اسمه محمّد، يبلغ من العمر 25 سنة، وينحدر من حي فقير بتطوان، وهو الآن يعيش في سوريا منذ شهرين تقريبا، بعد أن أصيبت رجله في انفجار.
ويقول حسن، ابن عم محمد، من غير أن يرفع بصره “يريد محمد مغادرة سوريا، والعودة إلى المغرب، بعد أن شاهد كيف يُذبح الكثير من النّاس هناك، ومن هول الحرب التي رأى، لكنّه يخشى أن يسجن بعد عودته”.
ويضيف قائلا “ذهب محمّد منذ سنة تقريبا، في يوم زفاف أخيه. لم تكن لديه رغبة في الدّراسة، وكان يدخن الحشيش، ويتعاطى الكوكايين، لهذا حَسِب أبوه أن الدّين قد يكون وسيلة ناجعة لتقويم حياة ابنه”.
طالب حقوق وشخصان آخران من تطوان، هما آخر الملتحقين بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ليضافوا إلى مئات المغاربة هناك، تقدرهم السلطات بـ1122 مقاتل، زيادة على 2000 أوروبي من أصل مغربي يحاربون في الشام والعراق.
ذهاب وإياب
قدم يوسف من سوريا، بعد أن حارب هناك لمدّة ثلاثة أشهر لينتهى به المطاف بأحد المستشفيات. إنه أحد العائدين القلائل الذين لم يتمّ اعتقالهم بعدما وطأت أقدامهم مطار الدار البيضاء، والذي يعتبر نقطة انطلاق وعودة معظم المقاتلين.
وجرّاء إصاباته التي ألمت بجسده، يقبع يوسف تحت الإقامة الجبرية، ولا يسمح لنا والده بالتّحدث إليه، لأنّه “يحتاج إلى الرّاحة”. مع ذلك، يوضح صديقه شكيب الذي يعمل بسبتة، “كان يوسف فتى سعيدا، وعاديّا، وكان يلعب الكرة معنا جميعا، لكنّه فجأة بدأ يسدل لحيته، ويذهب إلى المسجد للصّلاة”.
قصّة يوسف تشبه قصص العديد من الشباب المغاربة الذين يسافرون إلى سوريا، ثمّ يقرّرون العودة بعد ذلك، رغم احتمال تعرّضهم للاعتقال، فيما تعتقد الحكومة أن عودتهم قد تشكل أعمالا عدوانية قد يقومون بها ضد وطنهم.
المثلث الأسود
عمدة طنجة، فؤاد العمري، قال لجريدة إلكونفيديثيال، إن استقطاب الشباب من شمال المغرب لا يعود إلى انتشار الأفكار السلفية فقط، فثمة عامل الفقر، بما أن هذه المنطقة من البلاد كانت منسية من قبل الملك الراحل الحسن الثاني.
وأردف العمدة “ليس ثمّة مدارس في تلك المنطقة، كما أن التهريب موجود بقوة، أضف إلى ذلك تجارة المخدّرات، ناهيك عن انتشار الأفكار المتطرّفة التي تجد لها صدى بين الأسر الفقيرة، ونحن الآن نؤدي الثمن باهظا” يشتكي عمدة المدينة.
بعض الباحثين ووسائل الإعلام تطرقت إلى ما سمته “المثلث الأسود”، الذي تشكّله ثلاثة مدن: طنجة وتطوان والفنيدق، حيث تمثل هذه المدن نقطة التجمع والانطلاق نحو سوريا والعراق، ويقدر عدد الجهاديين الذين خرجوا من هذه المنطقة بـ800 شخص.
البحث عن حياة أفضل
يحكي محمد يونس “يُستقطب الشباب من قبل أصدقائهم الذين سبقوهم إلى سوريا، والذين ينشرون صورهم على الفيسبوك، متفاخرين بالشاليه والسيارات والمسابح”، يورد يونس وهو صديق لمحمّد حمدوش، المعروف بـ”كوكيتو”، الذي يعتبر الذراع الأيمن لأبو بكر البغدادي.
ظهر “كوكيتو” على صفحات مجلات أوروبية، ونشر صوره على الفيسبوك ممسكا بخمسة رؤوس مقطوعة”، يؤكد يونس أنّه ما زالت ترده أخبار كوكيتو، الذي يتباهى بكون “المغاربة يحظون بمكانة مرموقة قي تنظيم الدولة الإسلامية، وربع الأشخاص الذين ينفذون هجمات انتحارية هم مغاربة”.
ووفق جرائد مغربية، نُصّب تنظيم “الدولة الإسلامية” أربعة جهاديين مغاربة في مواقع المسؤولية، هم الآن يديرون شؤون العدل، والمالية، والشؤون الداخلية والمعلومات”، وهو ما أكده وزير الداخلية، محمد حصّاد، عندما صرّح قائلا “لا يكتفي الجهاديون المغاربة بلعب أدوار ثانوية، فبعضهم يشغلون مواقع المسؤولية في “داعش”.