في مثل هذا اليوم الخميس 25 فبراير 1993 كان المناضل آيت الجيد محمد بنعيسى متوجها إلى حي القدس مسكنه رفقة أحد رفاقه – الحديوي الخمار- على متن سيارة أجرة (طاكسي صغير) فوجئا بقوى الغدر والظلام تمنع السيارة من المرور وتكسر الزجاج لتخرجهما منها قسرا وتنهال عليهما بالضرب مستعملة العصي المصفحة بالمسامير والسلاسل والسيوف وحجر الرصيف… فكانت الجريمة
نقل بنعيسى في حالة غيبوبة تامة إلى مستشفى الغساني بفاس حيث ظل دون عناية طبية، وفي صباح يوم الإثنين فاتح مارس 1993 لفظ آيت الجيد محمد بن عيسى آخر أنفاسه في غرفة وحيدا رفقة صغير كان في الزاوية، كانت ملامح أيت الجيد قد تغيرت، رأيت أيت الجيد بأم عيني ليلة السبت السابع والعشرين فبرايرمن نفس السنة رفقة الرفيق والصديق محمد بربارة الذي كان يتردد على زيارته ويمدنا بالخبر اليقين بين الفينة والأخرى .
نقلت الجثة بسرية تامة إلى مسقط الرأس ولم يتمكن الرفاق والأصدقاء من تسلم الجثة وإقامة مراسيم الجنازة والتشييع، لكن ظلت قضيته حاضرة وستبقى للأجيال جريمة القتل والإغتيال لن يطالها التقادم. القتلة هنا، وهناك هناك من يعاقب وهناك من ينتظر. لابد للتاريخ أن ينتصر على الجلاد والعميل ؟
إن حالة الشهيد أيت الجيد محمد بنعيسى لا زالت تسائلنا جميعا، بتقديم الشهادات والمساهمة في نبش الذاكرة خاصة وأن ما ترتب عنها من تجميد هذا الملف واستغلاله سياسيا من قبل الأجهزة التي تملك الحقيقة وتعرف القاتل، لكن القاتل وُظف لاغتيال العقل والفصيل، إذ لا يعقل أن تقوم جهة ما بالتستر على جريمة منظمة مع سبق الإصرار والترصد، والتحيز لصالح القتلة، وعرقلة وتعطيل المساطير المتعلقة بالملف، وحرمان عائلة الشهيد والشعب المغربي من حقيقة ما جرى يوم الخميس 25 فبراير 1993. أما رفاقه يعرفون القتلة هم من قتلوا عمر وفرج فودة ومهدي عامل وحسين مروة ……. لست حقودا، إنها الحقيقة التي عاشها جيل التسعينات داخل فضاء ظهر المهراز وأنا جزء منه، كان بنعيسى معلمي وصديقي ورفيقي وموجهي في الإخيار والمبادرة بأريحية ونبل في التواصل.
لا بد من التأكيد على أن الأسباب وراء اغتيال ايت الجيد كانت سياسية بامتياز، و هو ما إستدعي فتح نقاش فكري وسياسي حول هذا الملف المؤلم جدا. وتحملت العائلة عناء البحث والنضال لمعرفة الحقيقة، مما دفعها مع بعض المناضلين والغيورين على تأسيس مؤسسة باسمه ومن خلاله تناضل ضد الإغتيال السياسي ضد أي كان وفي أي مكان.
في هذه الذكرى بالذات ندعو كل الحداثيين والديمقراطيين للكشف عن أغوار الملف و الملفات المشابهة، خاصة في ظل تنامي دعوات التكفير والقتل التي تهدد الأحرار في العالم، والتي تمثل مقدمات لاغتيالات سياسية محتملة وحقيقية هنا والآن.