Web Analytics
غير مصنف

القيمة التاريخية لحوار الخطابي مع جريدة لا ليبرتاد المعنون ب”في ساحة العدو: عبد الكريم والأسرى: زعيم الريف يتحدث”

يحتل المغرب مكانة خاصة في تاريخ الصحافة الإسبانية، وهو حاضر  في إعلام وسياسية هذا البلد الأوروبي بحكم العلاقات التاريخية المتشابكة والشائكة منذ تبلور البلدين ككيانين مستقلين الواحد يواجه الآخر. وفي المجال الإعلامي، تحتفظ ذاكرة الصحافة الإسبانية بأحد أهم المقابلات الصحفية في تاريخ الاعلام الإسباني، مقابلة جريدة لاليبرتاد يوم 8 غشت مع الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، التي كان لها وقع من مظاهرها الانقلاب العسكري سنة 1923. والحوار أجراه   وجاء بعنوان “في ساحة العدو: عبد الكريم والأسرى: زعيم الريف يتحدث”.

الرأي العام الإسباني ظهر مع حرب تطوان

وعلى شاكلة الدول الأوروبية، شهدت اسبانيا حركة صحفية نشيطة منذ القرن الثامن عشر، لكن المنعطف التاريخي، اعتمادا على ظهور رأي عام بفضل الصحافة وارتفاع مبيعات الصحف وتحولها الى صناعة إعلامية حقيقية، بدأ مع الحرب التي شنتها اسبانيا على المغرب سنة 1860 والمعروفة ب “حرب تطوان” أو “حرب إفريقيا”. وهي حرب ضرورية لفهم تطور الفكر السياسي والعسكري الإسباني من فكر ديني-سياسي الى فكر  سياسي قائم على المفاهيم الجديدة للعلاقات الدولية. ويقول المؤرخ أنتونيو إسبينا أن سنة 1860، تاريخ “حرب إفريقيا” كانت حاسمة في تطور الصحافة الإسبانية، في تلك السنة ظهر رأي عام قوي جيشته الصحافة لصالح الحرب ضد المغرب، كما ظهرت الصناعة الصحفية على مستوى المبيعات علاوة على ظهور “المراسل الحربي”.

ويمكن كتابة تاريخ المغرب انطلاقا من الصحافة الإسبانية بسبب تغطيتها المستمرة لمختلف الأحداث الداخلية والخارجية التي كان المغرب مسرحا لها. وتزداد أهمية الصحافة الإسبانية مصدرا للتأريخ بسبب غياب صحافة مغربية تعود الى ما قبل القرن العشرين وقلة المؤرخين. وجولة في الصحف الإسبانية القديمة، يقف الباحث على معطيات دقيقة تفيد في فهم أو تكملة الكثير من أحداث التاريخ المغربي.

زعيم الريف في أهم المقابلات الصحفية في تاريخ الصحافة الإسبانية

وتحتل حروب الريف ما بين 1883 الى 1927 فضاء هاما في تاريخ الصحافة الإسبانية، حيث تعتبر حتى الآن، الفترة التي كتبت عنها أكبر نسبة من المقالات الصحفية والكتب بشكل يفوق ما يكتب في الوقت الراهن. وشارك كبار المثقفين والسياسيين في النقاش حول ما اصطلح عليه وقتها “مشكلة المغرب”. وضمن حلقات تاريخ الصحافة الإسبانية الخاصة بالريف وكذلك عموما، يمكن اعتبار الحوار الذي أجراه الصحفي لويس دي أوتيسا لجريدة “لا ليبرتاد” مع زعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 2 غشت 1922 ونشرته يوم 8 من الشهر نفسه الحوار أو المقابلة الأشهر في تاريخ الصحافة الإسبانية حتى الآن. وهذا التقييم الذي يتقاسمه عدد من مؤرخي الصحافة الإسبانية يقوم على ما يلي:

-حساسية الحوار وظرفيته التاريخية الشائكة في وقت كانت تعيش فيه اسبانيا على إيقاع أكبر كارثة تاريخية في تاريخها العسكري وهي الهزيمة في أنوال التي يفضل مؤرخو الجيش تسميتها ب “الكارثة”، وهو مصطلح يحمل دلالة أكبر من الهزيمة الحربية.

-تأثير العميق للحوار على الرأي العام الإسباني الذي فجأة يطلع ولأول مرة في حوار طويل ودقيق جدا على أفكار من ألحق أكبر هزيمة عسكرية في تاريخ هذا البلد الأوروبي.

-الانعكاسات التي ترتبت عن الحوار، سواء ثقافيا من خلال مدى إمكانية إجراء حوار مفتوح مع “العدو رقم 1 ” لإسبانيا في وقت كان البلد يعيش على جراح كارثة أنوال. وهاجمت  جرائد  ومنها “أكسيون” جريدة لا ليبرتاد بسبب الحوار، وطالبت بالتدخل العسكري لإنهاء الفوضى. وتكتبت الباحثة الإسبانية ماريا كبايو أن سنة 1921 وحتى 1923 شهدت المرحلة الذهبية لصحافة الرأي وارتبطت أساسا بحرب الريف وكارثة أنوال وشكل حوار  ليبرتاد مع محمد عبد الكريم الخطابي محورا رئيسيا.

-محورية حرب الريف وشخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي في التاريخ الإسباني، لا يمكن فهم كل التطورات التي ستقع ابتداء من حرب أنوال دون معرفة التأثير العميق للحرب التي استنزفت اسبانيا وأدت الى الحرب الأهلية في الثلاثينات والشخصية السياسية والعسكرية التي قادتها، الخطابي.

وساهمت عوامل متعددة ومنها الجدل السياسي والعسكري المرتبط بأنوال والحوار مع الخطابي في أجواء الانقلاب العسكري الذي سينفذه الجنرال بريمو دي ريفييرا سنة 1923.

وتوجد كتابات صحفية خلال شهر غشت 1922 في صحف المرحلة تتحدث كيف استقبل الرأي العام الإسباني الحوار وكيف أثر فيه، وهذا ناذر الحدوث جدا في تاريخ الصحافة لأن الحوار شكل ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الاعلام الإسباني وارتباطاته السياسية.

الخطابي رفقة الصحفي لويس دي أوتيسا
الخطابي رفقة الصحفي لويس دي أوتيسالا

ومن جانب آخر، يحمل حوار جريد لاليبرتاد مع الخطابي أهمية قصوى تتجلى في رصد معطيات هامة ومنها:

-الحوار تضمن صورا للخطابي، وهي الصور الوحيدة تقريبا له إبان رئاسته للجمهورية التي أعلنها في الريف، وأنجزها المصور الذي كان برفقة.

-الحوار نقل لأول مرة أفكار ومواقف الريفيين متمثلة في الخطابي الى الرأي العام بدون وسطاء، حيث اكتشف الإسبان الإنسان الريفي الذي يندد بالاستغلال الاقتصادي البشع لخيراته عبر الاستعمار، واكتشف الإنسان الريفي الرافض للمس بكرامته، واكتشف الإنسان الريفي الذي يقيم مؤسسات ومنها الجمهورية وينادي بالإنصاف في العلاقات الدولية.

-الحوار يقدم توضيحات حول قضايا سجلت جدلا تاريخيا وهي إحجام الخطابي عن اقتحام مدينة مليلية رغم أنها بقيت ثلاثة أيام بدون دفاع، ويقول في رده ” كنا نعرف أن مليلية بدون دفاع، وكلفنا كثيرا، نحن لم نرغب في تجاوز خط الكيرت وإرساء الحدود هناك، ولكن تخوفنا من اقتحام القبائل الغاضبة مليلية. لو حدث ذلك لكان الأمر مرعبا، لكانت الإنسانية كلها ارتعبت من عملية النهب والحرائق والاغتصاب وعمليات قتل. شقيقي فهم ذلك، وأرسل هذا (شخص معهم في الجلسة) رفقة ثلاثة قياد و600 رجل لتفادي حصول ذلك. لقد بقوا ثلاثة أيام في جبل غوروغو يحمون مليلية حتى تمكن الجنرال برينغير من إقامة خط دفاعي”.   ويضيف موضحا “تطلعنا وقتها كما نتطلع الآن أن يعتبروننا شعبا كريما وليس قبائل متوحشة. ولهذا رفضنا اقتحام مليلية، العملية التي كان سيتم اعتبارها وحشية في العالم”.

-المقابلة الصحفية “في ساحة العدو: عبد الكريم والأسرى: زعيم الريف يتحدث”، يبسط فيها زعيم الريف رؤيته للعلاقات المغربية-الإسبانية وخاصة في شقها الريفي، ويعرب عن رؤيته التحررية والعلاقات الدولية، إنها وثيقة تاريخية ثمينة للبحث في الفكر السياسي لمحمد بن عبد الكريم الخطابي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى