الزبـونة الشقـراء
كانت علامات الانشراح بادية على سعيد في عمله بحانة لادهيصا، كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، وعلى الكنتوار كانت زبونتان في الأربعينيات من العمر تتناولان فطورهما قبل الذهاب إلى السوق للتبضع، كان اليوم يوم إثنين، وكانت إحداهما شقراء سمينة بعض الشيء ولا تتوقف عن التغزل في سعيد وتلح في طلباتها حتى يقترب منها. اقترب سعيد من الشقراء بطلب منها فسألته بسرعة:
“ما بك خايمي اليوم؟ تبدو سعيدا وهذا يزيدك جاذبية”
تمتم سعيد ورد على الزبونة:
“لا شيء سيدتي، فقط أنا اليوم منشرح”
ردت الشقراء:
” ناديني باسمي ، إسمي بالوماPaloma “
قبل أن يرد عليها سعيد أردفت قائلة:
“كوابو Guapo(جميل)، لماذا تنشرح لوحدك؟، يمكننا أن ننشرح وأن نفرح مع بعض، ألم أقل لك إن زوجي سائق شاحنة وهو مسافر هذه الأيام”
فهم سعيد قصد الشقراء بالوما وابتسم بخجل متحاشيا الرد، لكنها ألحت وزادت في الإحراج مستفسرة سعيدا عن ختان الموروس وأن الختان يزيدهم فحولة، سؤال بالوما فاجأ سعيدا فاحمرت وجنتاه ثم أجابها بصوت منخفض وخجول:
“هذه حكايات شعبية لا أساس لها من الصحة، ولا فرق بين الرجال موروس كانوا أو مسيحيين”
ضحكت بالوما وقالت بوضوح أكثر:
“كيف لي أن أعرف ذلك؟ أريد أن أجرب لأعرف حقيقة ذلك، مارأيك موريتوMorito(المورو الصغير)؟”.
ارتبك سعيد ودخل مسرعا إلى المطبخ متظاهرا بتهييء المقبلات بينما بالوما استمرت تناديه وصديقتها تضحك وتدعوه إلى الإجابة.
فجأة، سمع سعيد جلبة وضجيجا في باب الحانة، فأطل من باب المطبخ ليجد ماري خوصي Mari José، زوجة خسوس صاحب الحانة، تناديه:
“خايمي، ساعدني في نقل هذه البضائع وترتيبها”
تنفس سعيد الصعداء وخرج مسرعا لمساعدتها، وتظاهرت بالوما بالجدية وبالحديث مع صديقتها بينما هو ينقل البضائع إلى المطبخ. بعد لحظات دفعت بالوما الحساب وانصرفت مع صديقتها مومئة لسعيد بشفتيها وكأنها ترسل إليه قبلة حميمية، وتركت في صحن الحساب 200 بسيطة إضافية وهي تبتسم وفي نظراتها شوق واضح وقليل من العتاب.
وبينما كان سعيد يواصل عمله في ترتيب الموائد وخدمة الزبائن رن هاتف الحانة، أخد سعيد السماعة وكان على الطرف الآخر من المكالمة أخوه عبدالهادي:
“سعيد كيف حالك؟ أمي تسلم عليك، وكذلك أخوك فؤاد وكل العائلة”.
كانت علامات الابتهاج والفرحة بادية على سعيد وهو يتكلم بالعربية مع أخيه، وفهمت زوجة خسوس صاحب الحانة أنه يتكلم مع العائلة فعوضته في خدمة الزبناء.
لم يمهل عبد الهادي سعيدا كثيرا حتى أخبره بأن جمالا وكريما يطلبان مساعدته على الهروب من المغرب. صمت سعيد بعض الشئ وقبل أن يرد عقب عبد الهادي:
“لا تخف، أنا أحادثك من سبتة”.