هناك أمر شديد الغرابة يحدث في شمال المغرب، خلايا التجنيد التي تم تفكيكها والاعتقالات في صفوف الرجال والنساء تظهر أن المنطقة مرتع خصب لجهاديي الدولة الإسلامية. ولمعرفة أسباب ظهور العديد من المقاتلين في داعش والفتيات المولعات بأسلوب حياتهم في هذه المنطقة بالتحديد، توجهت مغاربية أولا إلى الفنيدق.
بيوت المقاتلين توجد في أحياء هامشية في المدينة: راس لوطا، وكنديسة، وغطاس، ولبرارك، والمرجة الكحلة. فضلا عن أن 15 شابا، من حي راس لوطا وحدها، التحقوا بصفوف داعش، من بينهم ثلاثة ماتوا. فيما عاد آخرون بجراح جسدية ونفسية.
لم يكن من السهل الحديث مع عائلات شباب هذه المدينة الصغيرة. وعندما يستعدون للحديث، يقولون إن فلذات أكبادهم تم التغرير بهم، إما بواسطة الإنترنت أو عن طريق خلايا إرهابية تستغل فقرهم وسذاجتهم. أما العائلات التي تبكي أبناءها المفقودين، فتنصحنا بالابتعاد عن عائلات أخرى يُقال عنها إنها متشددة: تلك التي تتباهى بمقاتلها الداعشي.
يوسف أب أحد الشباب المقاتلين في سوريا. وهو غاضب عن أولئك الذين يعتقد أنهم غرروا بابنه. وقال “أوجه رسالة إلى شباب الفنيدق بعدم الذهاب. يجب ألا يرحلوا مثلما فعل الآخرون. لأننا ضيعنا أبناءنا. إذ يتم استغلالهم من طرف جهات تشغلهم من أجل مصالحها”.
ويصمت برهة ثم يضيف “ما يقومون به، لا يمت بصلة للدين الإسلامي… الإسلام هو دين التسامح، وليس هو العنف، وليس ما تشاهدونه عبر شاشات التلفزيون”.
‘رغم إخفائنا لجواز سفره التحق بداعش’
في حي البراريك، حاول الجيران تمويهنا عن منزل عائلة يونس سوري، لكننا عثرنا في النهاية على العنوان الصحيح.
إنه منزل متواضع جدرانه مطلية بالأبيض والأصفر وبابه الخشبي مصبوغ بالبني. فتح لنا الباب شاب يرتدي لباسا رياضيا، وأصابه الذعر بمجرد سؤالنا عن أحوال أخيه في سوريا. بعدها سرد لنا قصته.
وقال بلال “نحن سبعة إخوة، ويونس يكبرني بسنتين. كان يعمل بالتجارة، ويعشق لعبة كرة القدم، ويمارس حياته كأي شاب في سنه، إلى أن أطال لحيته، وغيّر نوعية ملابسه، وبدأ يحدثنا عن الجهاد”.
وأضاف “شعرنا أن ثمة خطر يحدق بنا. قمنا بإخفاء جواز سفره، لكنه للأسف عثر عليه والتحق بالدولة الإسلامية، منذ عامين، أي التحق بالتنظيم وهو في مثل سني”.
والدته تأثرت كثيرا لذلك، ويقول أخوه “تضررت شبكية والدتي من كثرة البكاء على فراق أخي، وأخاف أن تفقد بصرها كليا، وهذا يؤلمني كثيرا”. وقال لنا إن جراح أهله لم تندمل بعد.
صديقان يتحولان إلى جهاديان
قصدنا حي غطاس، مررنا بمجموعة من الأزقة الضيقة والملتوية، إلى أن وصلنا إلى منزل عبد الرحمان العافية. الشاب انضم منذ ما يقرب من أربع سنوات إلى داعش. فعبد الرحمان كان عمره لا يتجاوز 19 سنة عندما قرر مغادرة أرض الوطن والسفر رفقة صديقه عماد إلى تركيا، ومن ثمة الانضمام إلى داعش. ولم تكن لدى أي منهما انتماءات أو أفكار متطرفة.
والد العافية تحدث إلينا وفي قلبه غصة، وقال “وفرت لابني كل ظروف الحياة الكريمة، كان مدللا بين إخوته، باعتباره الابن البكر، وحرصت في علاقتي معه أن تجمعنا الصداقة، إلى جانب أنه يساعدني في تجارتي، وتميز بحسن خلقه، وبمحبته للجميع، وابتعاده عن إثارة المشاكل”، مستطردا “لكنه أجرم في حق نفسه وفي حقنا نحن عائلته”.
وتابع العافية يقول “تكاد تكتمل أربع سنوات عن التحاق ابني بداعش … سنوات تختزل كل معاني الألم والحزن والمعاناة. فكيف له أن يرحل هكذا دون أن تظهر عليه أية مؤشرات؟” و”في المرات القليلة التي كان يربط فيها الاتصال مع والدته، كنت أسعى جاهدا لإقناعه بالعودة بشتى الوسائل دون جدوى”.
وظهر الانفعال على محيا الأب وهو يتابع “بدا عبد الرحمان غريبا وكأنه ليس ابني الذي ربيته، كنت واثقا من أنه غُرر به، لم تكن تلك أفكاره، بل استقطبه الداعشيون عبر الإنترنت”. وروى لنا كيف فقد ابنه مشيرا إلى أن عبد الرحمان لم يعد إلى البيت في أحد الأيام. وأبلغ السلطات بأن ابنه مفقود. وعرف لاحقا أنه سافر صحبة رفيقه في الحي عماد جبار للقتال في سوريا.
ومضى العافية يقول “لم أستوعب آنذاك الفكرة، خاصة أنني لم أكن أعلم شيئا عن داعش”، موضحا “عندما فهمت أن عبد الرحمان التحق بصفوف داعش، انفطر قلبي، لأن ابني لم يكن متطرفا، بل كان ملتزما بدين الإسلام باعتدال ولم يتحدث يوما عن الجهاد، ولم تكن لحيته مسترسلة… كان يمارس حياته بشكل طبيعي”.
والدة عبد الرحمان كانت تبكي وزوجها يسرد القصة. الألم كان باديا على محياها. وقالت وهي تبكي “ليتني كنت أعلم أن ابني سيُغرّر به، وسيغادر أرض الوطن لكنت قمت بالمستحيل لأمنعه… ليتني أستطيع أن أستعيد فلذة كبدي، فحياتي في غيابه جحيم”.
واستغربت كيف تمكن من الذهاب إلى سوريا. وتساءلت “كيف سمحوا له بالذهاب وجواز سفره يشير إلى أنه مازال طالبا؟ وكيف لم يتم توقيفه في المطار؟” وأضافت “سنه كان صغيرا بالنسبة لشاب يسافر إلى تركيا من أجل السياحة”.
انضم إلى داعش قبل الثامنة عشر
الجميع يصف عمر الشعيري بأنه شاب رائع، يُصادق أبناء حيه ويحظى بمحبة الجميع، ويغيّر قصات شعره العجيبة للتسلية، ويساير الموضة ولم تكن له أي علاقة بالجهاديين.
وكما يقولون فإنه “يؤدي الصلاة مرة في الشهر”. إلى أن أعفى لحية صغيرة وذهب إلى سوريا للانضمام إلى داعش. كان ذلك قبل سنتين ونصف. وسنه لم يصل بعد إلى الثامنة عشر.
منزل عائلة عمر الشعيري، يتكون من طابقين. طرقنا الباب وخرجت والدة عمر لتستقبلنا.
وقالت لنا “لن أسامح من كان السبب في التغرير بعمر للرحيل إلى سوريا. تمر الأحداث والمناسبات لكن ابني ليس هنا إلى جانبي”.
وتصمت برهة تمسح عبراتها، ثم تواصل الحديث.
“بعد أن توقف عن الدراسة، تلقى تكوينا في مجال الحلاقة، واشتغل بصالون الحلاقة، المحاذي للمنزل، ومن يطلبه كان يجده إما في المنزل أو في دكان الحلاقة”. وأظهرت لنا شهادة ابنها للحلاقة بفخر. وقالت “لو مات كنت بكيت ورضيت بحكم الله، لكنني أنا الآن لا أعرف الظروف التي يعيش فيها ابني”. وختمت بالقول “ولو أجد من يعيده لي أبيع المنزل بأكمله، وأكتري خيمة أو أفترش الأرض، أنا فقط أرغب في عودة ابني إلى أحضاني”.
مصدر محلي أخبرنا أن عمر الشعيري أصبح جهاديا من أجل حبيبته السورية، التي تعرّف عليها عبر الإنترنت، ويُعتقد أنها حرضته على الانضمام إلى داعش. نفس الشيء حدث مع شاب آخر من تطوان. حيث كانت فتاة وراء إغوائه.
محمد حمدوش، الملقب “كوكيطو”، أصبح قاتلا، قاطع رؤوس. وظهر في شريط نُشر على مواقع داعش وهو محاط برؤوس مقطوعة.
الشاب البالغ 28 سنة ينحدر من ودراس بتطوان، كان ميكانيكيا وتعرف على فتاة عبر الإنترنت: آسية من سبتة. ولم يمض وقت طويل حتى مزق جواز سفره المغربي وذهب للالتحاق بها في سوريا. إشاعات محلية تقول إنه أهداها حزاما ناسفا كهدية زواج.