“ليس قصدي أن أُبرِّر بهذا ما يحصل في مملكتنا وما نراه من مشاهد الفقر وهول الفوارق الاجتماعية وعدم اكتراث الدولة المغربية بتنظيم الأولويات في الاستثمار، بقدر ما حاولت استفزاز وعينا النقدي”
في زاوية موازية للطريق السيار المجاور للعاصمة يتراءى حي من البراريك المبنية بالخردة وأجزاء السيارات وقطع قصدير متهالك، الحي يقطنه ما يزيد عن 435 شخص، بينهم 298 طفل يعيشون على شاكلة أقرانهم في ضواحي نيجيريا أو إتيوبيا.
على أطراف الحي تتراكم القاذورات والأزبال وركام ضخم من ردمة البنايات ونفايات بعض معامل الآجور المجاورة.
في قاع المرتفع المطل على الحي تسيل مياه عادمة مجهولة المصدر وبجوارها تعيش حيوانات أصبحت أليفة لذى سكان الحي من كلاب ضالة وفئران ضخمة وبعض الأفاعي “الأليفة” ، كلها تتعايش مع أجواء من العنف والخشونة وقهقهات الأطفال وصخب اللعب وصراخ بعض الأمهات.
الحي يعيش على هامش المدينة العامرة، والعيش فيه يختلف عن نظيرهِ في العاصمة البعيدة عنه بأقل من 12كيلومترات، أحد المسؤولين عن جمعية مدنية تهتم بالأطفال وصف الحياة في الحي بمثيلتها في بعض الدول الافريقية الفقيرة كنيجيريا أو إتيوبيا،
نفس المسؤول يؤكد أن ظروف العيش في الحي تهدد حياة الأطفال ومتوسط حياة 98 في المائة منهم لايفوق 60سنة، مقابل 7 في المائة بالمناطق الحضرية المُجاورة.
القاصرون يعيشون حياة الحي بشكل عادي ويتباهون فيما بينهم بالمسروقات من هواتف أو ساعات يدوية وغيرها، ويتعايشون مع عنف الكبار ويُقلدونه فيما بينهم ويُساعدون في نقل المخدرات والخمور المُهربة وبيعها وإخفائها كلما داهمت دوريات الشرطة الحي.
متوسط التمدرس بين أطفال الحي لا يتجاوز 12 في المائة، ومتوسط الهدر المدرسي يفوق 90 في المائة بين الذكور و78 في المائة بين الإناث.
أثناء حديثي مع المسؤول الجمعوي الذي سهل زيارتي للحي توقفت إحدى الأمهات ـ أخبرني صديقي أنها في الثلاثينات من عمرها ـ وروت لنا بغير كبير اكتراث عن اغتصاب ابنتها ذات التسع سنوات من طرف أحد جيرانها، وهو متزوج وأب لستة أطفال.
أخبرني صديقي بعد أن غادرت الأم، أن حالات الاغتصاب بالحي كثيرة وقلة منها التي يتم التبليغ بها. غير بعيد من المكان توجد سقاية تكاد تُغطي حاجيات الماء بالحي بعد نقلها في براميل بلاستيكية من طرف النساء والأطفال، وبالقرب من السقاية تمرُّ أسلاك كهربائية معلقة عبر أعمدة ضخمةتعوّد السكان سرقة التيار الكهربائي منها وغالبا ما تكون مصيدة يقضي فيها شاب أو طفل حياته ،
يخبرني صديقي الجمعوي أن شابا في العشرين من عمره قضى نحبه بصعقة كهربائية وهو يحاول ربط التيار بغرفة من القصدير بناها إلى جانب عائلته استعدادا للزواج.
تابعت مع صديقي وهو يروي قصة الحي بشغف وبكثير من الأسى والألم ، ويدقق في نقل الأرقام وتحديد المسؤوليات والتعبير عن الحزن، كان يقطعُ شروحاته بين الفينة والأخرى بما يلي ” من يصدق أن هذه الكارثة الانسانية تُجاور خط القطار السريع ؟، من يصدق في بنغلاديش أو إفريقيا أن إثيوبيا توجد على مشارف عاصمة المملكة؟ ”
لاشك أن القارئ تماهى مع هذه الحكاية وتصورها في المغرب وعلى حدود عاصمة المملكة المغربية بالرباط، ولاشك أن القارئ أو أغلب القراء لم يستغربوا حكايات من هذا القبيل على طول ربوع المملكة وفي قراها التي كانت ضحية فيضانات حصدت العديد من الأرواح وخلفت معاناة ومشاهد تقشعرُّ لها الأبدان،
لكن الواقع أن حي الصفيح المشار إليه في هذه الرواية / المقالة يوجد في مدريد عاصمة مملكة أوروبية منخورة هي الأخرى بمظاهر الفساد ونهب المال العام واستغلال النفوذ وغيرها..
الحي القصديري موضوع المقالة يسمى ” حضيرة الدجاج “، يوجد على بعد 12 كيلومتر من مدريد قريبا من وادي “منثاناريس” Manzanares صدر بشأنه تقرير قامت بإنجازه منظمة “سيف دي شيلدرن” Save the Children نشرته جريدة الباييس في عددها ليوم الأربعاء 10 ديسمبر 2014، وزرته يوم الخميس رفقة صديق عزيز يشتغل في نفس المنظمة.
ليس قصدي أن أُبرِّر بهذا ما يحصل في مملكتنا وما نراه من مشاهد الفقر وهول الفوارق الاجتماعية وعدم اكتراث الدولة المغربية بتنظيم الأولويات في الاستثمار، بقدر ما حاولت استفزاز وعينا النقدي وطرح الأسئلة عن علاقة ذلك بنظام عالمي متوحش لم تعد فيه الحدود بين الفقر المُدقع والغنى الفاحش جغرافية.
مثل هذا الموضوع يُذكِّرنا بأن افريقيا ليست مرادفا للجوع ولا أوروبا مرادف للغنى ، وأن الاولوية في الاستثمار هو الانسان ، وفي ضمان حقوق تنص عليها كل دساتير العالم ـ الديموقراطية وغير الديموقراطية ـ كحقوق أساسية على الدولة صيانتها ، منها الحق في السكن والصحة والتعليم والعمل.