أثارت رواية “عيون المنفى” للمبدع عبدالحميد البجوقي نقاشا فرضته شخصية المُبدع الذي انتظر متتبعيه أن يخرج علينا ببيان سياسي أو وثيقة حقوقية أو أرضية للنقاش.. ليتفاجئ الجميع برواية رائعة وضعتنا أمام أسئلة متزاحمة فلسفية ، تاريخية وفكرية مفتوحة تدعو للإستتباع والتأمل، في علاقة بالتاريخي والسياسي دون السقوط في رتابة الحكي المسترسل. كان عبد الحميد الروائي ساردا متمكنا من أدوات السرد، مُستحضرا أسسه الغنية كنشاط قولي وتخييلي رابطا ذالك بمرجعياته التاريخية وقضاياها المرتبطة بسؤال الهوية واستشرافاته المستمدة من حرقة الدات وأسئلة الكينونة التي تسكنها.
إلى أي مدى تفوّق عبدالحميد في فك الارتباط بين نشاطاته التي اعتاد عليها كسياسي وحقوقي، وبين كونه روائي يمتلك أسس ومضامين فكرية وداتية وفلسفية وتاريخية بطرح فني تحضُرفيه آليات الكتابة السردية ؟
يقول عبدالحميد في هذا الصدد ” دخلت عالم الرواية من بوابة القراءة.. فقد كنتُ قارئا نهِما للروائع الروائية.”
هكذا نما ذوق عبدالحميد واستحلى طعم الرواية التي امتلكته فامتلك آلياتها ليومئ له بهاجس الكتابة ويعتريه ألم مخاض مولوده الأول “عيون المنفى” يطرح من خلاله لا كتجربة شخصية أو كمذكرة أو سيرة داتية ـ موضوع النفي كتيمة تتشكل في المغرب وككتابة إبداعية تجلت في سرد تشابكت حوله تيمات أخرى وأحداث وفضاءات ووقائع موازية جعل من الرواية نصا حكائيا سلسا ترك وقعا ملحوظا على شخوصها في صور وأحداث انطلقت من ملاحقات الجهاز البوليسي لسعيد ـ الشخصية المحوريةـ لتمتد في كل ثنايا النص، تضمها فضاءات ووقائع متوازية فرضها وطن المنفى في حضور تاريخي واجتماعي وسياسي وثقافي يؤطره ثراء تخييلي يستمد آلياته من خصائص الكتابة الروائية وعمقها.
يطرح عبد الحميد الروائي أسئلة وقضايا بأشكال ومستويات تعبيرية يسكنها الألم والحب والجنس في إيقاع سريع ومتواتر مستتْمِرا مرجعياته وموهبته وكفاءاته. إيقاعات تُسيِّجُ قراءات عبد الحميد التي انتجت من حسه الجماعي ورؤيته الثاقبة للواقع في احتراق للشامل واهتمام بالهوامش وتفاصيل الأحداث والأشخاص المنصهرة داخل دات اقتلعت من جدور الوطن لتحط داخل غربة وطن المنفى.
يُطلق عبد الحميد العنان لشخوصه ويتماهى معها و يتجسد أحيانا بطل الرواية ـ سعيد ـ تؤطره كما سبق القول تيمة المنفى التي تبدت كمفهوم عبّر عنه عبدالحميد بالاقتلاع والإرغام والعنف.. مفهوم سيتجلى في تسلسل أحداث الرواية ليصبح بحثا داخل شخصيات تعيش منفاها بصور مختلفة يقدم نمودجا لها في صورة طالبة اللجوء السياسي السويدية التي آثرت النفي في اسبانيا بحثا عن حقها في أشعة الشمس الدافئة..
لن نُقدم تحليلا ولا قراءة نقدية لرواية “عيون المنفى ” لصاحبها عبد الحميد البجوقي، لأن الغاية هي مشاركة القراء قراءة هذا النص المُمتع والجريء على بوابة الجريدة الالكترونية “شمال بوست” لنتقاسم متعة القراءة وفِتنها والنقاش الجاد والهادف حولها.
تطوان 10 /11 2014
عزيز زوكار