كل الذين تحدثوا عن الحشيش المغربي، كانوا يتحدثون عن مزارعين صغار أنهكتهم صروف الدهر وعناصر الدرك الملكي والصورة السلبية الموشومة في ذهن المغاربة عن مزارعي الكيف، وكأن دورة الحشيش تتوقف عند بعض القناطير من القنب تزرع في أعالي الجبال.. تحدثوا عن كل شيء: زراعة القنب الهندي، الزراعات البديلة، وكالة للتنمية، تقليص مساحات زرع القنب الهندي، لكن لا أحد امتلك الجرأة الكافية ليقول للرأي العام المغربي يوجد في المغرب امتداد قوي لشبكات الاتجار الدولي في المخدرات، وأنه بالرغم من كل الجهود الأمنية المحمودة في هذا المجال، استطاعت هذه الشبكات الأخطبوطية أن تجد لها موطئ قدم بالمغرب. ولا أحد من هؤلاء السياسيين أو حتى بعض الفاعلين المدنيين اقترب من أصل الداء ليدافع عن الفلاح الصغير المبحوث عنه والمحاصر في أقاصي الجبال.
ولأن المغرب شكل قاعدة ثابتة لتهريب الحشيش نحو الضفة الشمالية من المتوسط، ولأن القاعدة الشهيرة عند تجار الحشيش تقول إنه متى أغلقت الأبواب جميعها ينبغي البحث عن منفذ جديد، فإن البارونات الكبار، نقصد هؤلاء، الذين يدر عليهم»الذهب الأخضر الملايير»، يتخذون من المغرب منطلقا لعمليات دقيقة ونوعية، باستعمال مختلف الوسائل.
خلال كل العقود التي أصبح فيها المغرب أحد أشهر منتجي الحشيش، ابتدع بارونات المخدرات طرقا جديدة لتهريب المخدرات، فبعد أن تمكنت السلطات الأمنية المغربية من أن تحدد بدقة السواحل التي تنطلق منها الزوارق الناقلة للحشيش، وتمكنت فوق ذلك من معرفة خريطة الموانئ الصغيرة التي أنشأها البارونات في التسعينيات من القرن الماضي، إلى درجة أنهم وجدوا في الكثير من الأحيان فيلات محاذية للسواحل تخفي نشاطات كبيرة لتهريب المخدرات إلى إسبانيا. وحينما أيقن هؤلاء أن السلطات أمست تتعامل بصرامة مع قضية الاتجار الدولي في المخدرات، بسبب ضغوط مارسها الاتحاد الأوربي من جهة وبعض الهيئات التابعة للأمم المتحدة من جهة أخرى، بالإضافة إلى أن المغرب سعى طوال أكثر من عقدين إلى أن يمحو الصورة السلبية التي تكونت لدى الجميع، -حينما- حاول تجار الحشيش الكبار الانتقال إلى مرحلة متطورة تتمثل في الاستعانة بالطائرات الخفيفة الشبيهة بالطائرات السياحية لنقل الحشيش، وقد وجدت السلطات المغربية صعوبة بالغة في تعقب مسارها أو حتى معرفة إحداثياتها الحقيقية.
في هذا الملف/ التحقيق، تطرق»المساء» موضوعا بكرا، وتكشف عن الخريطة السرية لمطارات الحشيش بالمغرب بمعطيات علمية دقيقة، تتعلق في جانب منها بقدرة الرادارات المغربية على التقاط «ناقلات الحشيش» علاوة على إدراج شهادات غير مسبوقة لسكان فاجأتهم طائرات صغيرة في قراهم الصغيرة. في الملف أيضا، معطيات مثيرة عن نقل الحشيش جوا وعن المتدخلين فيه.
مطار الدريوش
يومها كان الخبر صاعقا بالنسبة لسكان الدريوش: طائرة صغيرة تسقط بالمنطقة ولم يتم العثور لا على ربانها ولا على ما بداخلها، ليطرح إلى الواجهة النقاش الجديد القديم حول وجود مطار بالمنطقة. يؤكد أحد سكان المنطقة في تصريح للجريدة أن المساحات المستوية موجودة بكثرة» لكن لا علم لنا بنزول طائرات خفيفة تقوم بنقل الحشيش إلى إسبانيا، ولولا سقوط الطائرة لما علمنا أصلا سر وجود هذه المساحات المستوية في كل مكان. في نواحي الدريوش، ليس هناك حديث أقوى من حديث طائرات تخترق المجال الجوي المغربي وتهبط بالمنطقة. السكان يشيرون إلى أسماء كانت معروفة بالاتجار الدولي في المخدرات بالمنطقة، كانت تستخدم الطائرات الخفيفة لنقل الحشيش إلى إسبانيا.
بصيغة من الصيغ، يقول شكيب الخياري إن الدريوش شكلت مركزا لهبوط الطائرات الناقلة للحشيش، سيما وأن هذه المطارات لا تكلف ميزانيات ضخمة لإنشائها» وقد حكى لي السكان أنهم كانوا يرون أنوارا ليلية يرجح أنها لطائرات خفيفة، وتلك الأنوار ليست إلا فوانيس أو مصابيح صغيرة تثبت على طول الطريق التي تمر منها طائرات الحشيش الصغيرة لإنارتها تجنبا لأي اصطدام.
لقد كشف سقوط الطائرة الصغيرة عن نشاط ظل بعيدا عن أعين السلطة والصحافة والسكان، لكن الأنظار أصبحت مركزة أكثر من أي وقت مضى على المنطقة وبالتالي يصعب جدا أن يكون نشاط الطائرات كما كان من قبل. تحكي الشهادات أن نشاط الطائرات بدأ منذ سنوات، وأن الدريوش شكلت منطقة جذب لكل الشبكات المهربة للحشيش.
مطار عين الزوهرة
تتواجد منطقة عين الزوهرة غير بعيد عن الدريوش، ولاحظ السكان خلال بداية الألفية الثالثة أن أحد سكان المنطقة يتوفر في ضيعته على طائرة صغيرة، لكن دون أن يعرفوا السبب الوجيه الذي أدى إلى استقدامها. بعدها اختفت الطائرات وظلت الشكوك تحاصر سكان المنطقة عن السبب الحقيقي وراء سعي صاحبها إلى إخفاء السر وكتمانه حتى عندما يواجهونه بالسؤال. لم يخطر ببال أحد أن تجار المخدرات استطاعوا أن يؤمنوا خطوطا جوية لنقل الحشيش، خاصة وأن تلك الفترة عرفت ارتفاع عدد الزوارق الشراعية التي تنقل الحشيش نحو أوربا. أخبار الزوارق وحدها كانت تملأ أسماع سكان المنطقة، ولذلك صرفوا النظر عن أمر الطائرة، قبل أن تكشف تقارير إعلامية أن شبكات الاتجار الدولي في المخدرات تستعمل طائرات نفاثة للهبوط في مطارات صغيرة يتم إعدادها سلفا.
الدليل الوحيد على وجود مطارات سرية يتمثل في مساحات مستوية معدة بعناية، وهي مساحات منتشرة أينما وطأت قدماك، بعضها اختفى بفعل حركة السيارات وبعضها مازال ظاهرا، لكن ليس بقوة المعالم التي عثرنا عليها بتفنسا. تؤكد بعض الشهادات أن الطائرات كانت تنزل في هذا المكان قبل سنتين ونصف» ولن يستطيع أحد أن ينفي ذلك، وأذكر أن طائرة حطت بالمكان في واضحة النهار ورآها بعض السكان عن بعد».
مطار تفنسة بالحسيمة
لا شيء يوحي في هذا المكان الموحش والخالي أن طائرات صغيرة محملة بالحشيش مرت من هنا، دون أن يضبطها أحد. الوصول إلى المكان في النهار غير مأمون العواقب بالنسبة لصحافي يبحث عن موضوع حساس في منطقة غير معروفة لا بزراعة الكيف ولا بتجارتها. بعد حوالي ساعة في الطريق من مدينة الحسيمة إلى جماعة تافسنا بدأ شيء غير عادي بالظهور. يقول صاحبي: في المرة الأولى حاولوا أن يبنوا مطارا صغيرا هنا، لكن على ما يبدو، فإن جهودهم لم تنجح، بعدما لاحظوا أن المساحة التي تمت تسويتها لا تتسع لاستقبال طائرات صغيرة. الغريب في كل القصة أنه لا أحد تساءل لماذا تغيرت ملامح المكان كليا، فعوض أن تصبح هناك طريق سالكة واحدة، أصبحت هناك طريقان، واحدة للسيارات والراجلين الباحثين عن الاستجمام والثانية للطائرات الصغيرة الباحثة عن الحشيش.
بعد فشل المحاولة الأولى، كان لابد من إيجاد مكان فسيح يسمح بهبوط الطائرات دونما مشاكل كبيرة قد تثير فضول السكان أو انتباه السلطات، وبالفعل عثروا على مكان غير بعيد من المطار الأول، حيث تبدو معالمه واضحة للعيان-أنظر الصورة جانبه-، إلا من أراد أن يضع على عينيه عصابة تحجب عنه ما يحدث. تسير السيارة بشكل عاد، ثم فجأة تجد أن الطريق الضيقة قد انثنت، وفي الجانب الأيمن ثمة مساحة مستوية تمتد على مسافة 300 متر. تفيد المعطيات أن المطار الذي شيد قبل ثلاث سنوات في جنح الليل عرف عملية لتهريب الحشيش دون علم السلطات، وأن عضوين من الشبكة يقيمان بالمغرب ساهما بشكل كبير في بناء المطار وشحن الطائرة بالحشيش. بالنسبة للربان السابق، فإن مساحة 150 متر مستوية بشكل جيد تسمح بهبوط جيد ومريح لطائرة صغيرة، وإذا كان الطيار ماهرا ويتقن عملية الهبوط، فقد تكون المساحة أقل من ذلك بكثير.
المعطيات ذاتها تقول إن القليلين فقط علموا أن المساحة المستوية عبارة عن مطار صغير شيده مغاربة بطريقة مبسطة لاستقبال طائرة صغيرة لنقل الحشيش، الذي من المفترض أنه خزن بالمنطقة وتم الاتفاق على الموعد الذي من الممكن أن تحط فيه الطائرة.
ليس هناك أي دليل قطعي يمكن أن يقود إلى حقيقة نزول طائرة في جماعة «تافنسا»، والدليل الوحيد الذي نتوفر عليه هو ما قاله خبير الطيران حينما رأى الصور التي التقطناها حول ما يفترض أنه مطار» –يبتسم-يقينا إنه مطار صغير، ولا يمكن للحواس ولأي خبير أن يخطئ في هذا التقدير». يكتفي الخبير بهذه الإجابة السريعة دون أن يقدم المبررات التي استند إليها ليقدم حكمه حول الصور. نعرف أن ما تلوكه الألسنة وما يتناقله السكان قد اختلط بالكثير من الإشاعة، وضاعت كل الحقيقة، فالبعض يؤكد أن حركية الطائرات الصغيرة لم تتوقف بالمنطقة وأن أناسا غرباء يزورونهم، والبعض يقول إن مخازن الحشيش متواجدة في كل مكان. قد يكون جزء مما يتداول صحيح، بيد أن الجزء الكبير منه غير صحيح لسبب يسير وهو أن السلطات بالمنطقة أصبحت تتعامل بصرامة وحزم مع قضية التهريب الدولي للمخدرات، ولا يمكن بتاتا أن تغفل عن وجود طائرات صغيرة تهبط كل مرة.
ميزة المطار «تفنسا» أن معالمه لم تطمر ومساحته بقيت على حالها وآثار التراب الذي سوته الآليات مازالت على قارعة الطريق، والأخطر أنه مازال صالحا لهبوط صغير في مكان بعيد جدا عن أعين الناس، لكن أقرب إلى عيون بارونات الحشيش.
كيف استطاع بارونات المخدرات أن ينقلوا معركة التهريب من البر إلى الجو؟
بعد أن أيقنوا بأن تهريبها عبر الزوارق أضحى تجارة فاسدة
قبل أقل من عقدين فقط لم يكن مسموحا إثارة موضوع الاتجار الدولي في المخدرات، وكان الموضوع ينتمي إلى باب الطابو الذي لا يمكن الاقتراب منه، ولولا التقرير الأوربي الشهير الذي صدر في التسعينيات من القرن الماضي، لظل الموضوع طي الكتمان، تحميه شبكة من المصالح المالية الخيالية تتكون، وقتئذ، من أمنيين وقضاة ورجال سياسة وصحافيين. في ذلك الوقت، شنت السلطات الأمنية حملة غير شرسة على تجارة المخدرات وقدمت عشرات الأمنيين إلى المحاكمة فيما يشبه ردا مباشرا وفوريا على التقرير الأوربي. بالنسبة لملك البلاد فقد شكل التقرير صدمة قوية تزرع مسمارا آخر في نعش حلم التقارب من الضفة الأخرىـ إذ لم يصدق أن يصدر تقرير من الاتحاد الأوربي يضع سياسيين مغاربة معروفين وغير معروفين على رأس شبكات الاتجار الدولي في المخدرات.
عرف المغاربة أخيرا أن بلدهم لا يتوفر فقط على موانئ لصيد الأسماك ولرسو البواخر التي تقل المسافرين، بل يتوفر أيضا على عشرات الموانئ الصغيرة والكبيرة مخصصة لنقل الحشيش من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى ضفته الأخرى دونما أدنى عناء كبير. موانئ صغيرة تحتوي على زوارق من مختلف الأحجام وعلى مخازن للحشيش المعد للتهريب في العديد من المناطق الساحلية في الشمال المغربي، أصحابها تجار مخدرات معروفون لديهم علاقات، متشعبة، حسب ما أورده التقرير الأوربي، برجال السياسة وبمختلف الأجهزة الأمنية. كان من الصعب جدا على المغرب أن يترافع أمام الاتحاد الأوربي حول هذه النقطة بالذات، إذ من غير المنطقي أن ينفي المغرب وجود موانئ على طول ساحله تنقل كميات كبيرة من الحشيش المغربي.
الحملة التي شنتها السلطات المغربية أدت فعلا إلى القضاء على عشرات الموانئ وإلى اعتقال أصحابها أو بعبارة أكثر دقة اعتقلت من يشتغلون مع أصحابها، لأن غالبية هؤلاء الذين كانوا يتزعمون شبكات الاتجار في المخدرات يتوفرون على جوازات سفر إسبانية على وجه التحديد، بمعنى أنهم كلما أحسوا أن نار الخطر تقترب منهم، يفرون بجلودهم.
كان المغرب يريد توجيه رسالة واضحة إلى الاتحاد الأوربي، الشريك الاقتصادي والثقافي والسياسي الأول، مؤداها أن المغرب منخرط، تمام الانخراط، في الحرب على الاتجار الدولي في المخدرات، لكنه وجه رسائل أكثر وضوحا وإن كانت مشفرة في بعض، الأحيان، بأن أوربا-إسبانيا خاصة-، مسؤولة بدورها عن انتشار موانئ الحشيش، أولا لأنها توفر الحماية القانونية من خلال منح الجنسية الإسبانية للكثير من التجار الكبار للحشيش وثانيا لأنه ضمن هذه الشبكات يوجد إسبان وهولنديون.
استمر الوضع على حاله، وكانت السلطات المغربية تشن بين الفينة والأخرى حملات ضد الاتجار الدولي في المخدرات، واستطاعت هذه الحملة خلال ثلاث سنوات فقط أن تكشف النقاب عن موانئ كبيرة في الساحل المتوسطي. اعترفت الكثير من التقارير، فيما بعد، أن الكثير من هذه الموانئ، لم تستطع السلطات الاقتراب منها بالنظر إلى التواطؤ بين شبكة متشعبة من العلاقات والمصالح.
أيام «الغفلة»
مضت السنوات، وازداد الضغط على المغرب من أجل محاربة الاتجار الدولي في المخدرات، ولم يصبح الاتحاد الأوربي وحده من يصوب مجهره الدقيق نحو المغرب، بل حتى الهياكل التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العالمية. لا أحد سينكر أن المغرب نجح إلى حد بعيد، في بداية الألفية الثالثة في القضاء على منابع التجارة الدولية في المخدرات، رغم أنه بقي يتعامل بالكثير من المرونة مع زراعتها في المناطق المعروفة بزراعة القنب الهندي، عبر استخدام وسائل متطورة لرصد «النقط السوداء» التي يتخذها تجار المخدرات»معاقل» لتهريب الحشيش المغربي لكن نهاية «موضة» الموانئ الصغيرة بالساحل المتوسطي تزامنت مع موضة أخرى أكثر «فاعلية» من الأولى، ونقصد تهريب الحشيش عبر طائرات صغيرة، تدخل بسرعة البرق إلى المغرب وتغادر بسرعة البرق أيضا.
في أبجديات الاتجار الدولي في المخدرات هناك قاعدة معروفة، كما يشرح بتفصيل شديد، أحد التجار الذين شملتهم حملة «تقرير الاتحاد الأوربي»، تقول «يجب الإيمان أنه دائما ثمة منفذ لتجارة الحشيش» أي أنه مهما كانت الحملات التي تقوم بها السلطات المغربية، فإن هامش المناورة يبقى مفتوحا، ولم يكن الهامش هذه المرة سوى طائرات صغيرة تشبه كثيرا في شكلها المروحيات، قادرة على اختراق المجال الجوي المغربي والإسباني على حد سواء.
المعلومات التي جمعتها الجريدة تفيد أن استعمال الطائرات الصغيرة في تهريب الحشيش المغربي ابتدأت بالتحديد، حينما أيقن تجار الحشيش أن تهريبها عبر الزوارق أصبح «تجارة كاسدة» أمام تشديد الخناق على السواحل المغربية والإسبانية التي كانت تنطلق منها الزوارق الصغيرة محملة بالمخدرات، وأمام تطور وسائل الرصد التي بات يتوفر عليها المغرب.
استغلت شبكات الاتجار الدولي في المخدرات، استغلالا جيدا، تركيز السلطات المغربية جهودها لحماية شواطئها من تهريب المخدرات، ومن تدفق الآلاف من المهاجرين السريين وفق قاعدة البحث الدائب عن منفذ جديد، لذلك وجدت وسيلة جديدة لتهريب الحشيش. يقول «المهرب القديم» نفسه في تصريح للجريدة إن هذه الوسيلة الجديدة اهتدى إليها تجار إسبان كانوا على علاقة وطيدة بأحد مهندسي الطيران الذي أوحى إليهم بأن يستخدموا الطائرات الصغيرة. ربما كان يعرف مهندس الطيران الإسباني أن المغرب لا يستطيع بحكم الرادارات التي يمتلكها أن يرصد تلك الطائرات الصغيرة، ولا حتى أن يعرف بوجودها في المجال الجوي المغربي. وعلى هذا الأساس، لم تنتبه السلطات المغربية إلى ظاهرة تهريب الحشيش في «الطائرات السياحية» إلا في مرحلة متأخرة من بداية الألفية الثالثة من قبيل الصدفة فقط، حينما سقطت طائرة صغيرة بمنطقة الجبهة التابعة لإقليم الشاون والمحاذية لإقليم الحسيمة، قبل أن تكون الطريق الساحلية التي تربط حاليا بين تطوان والحسيمة قد استقرت في ذهن المسؤولين عن تدبير القطاع الحكومي، حيث كانت المنطقة موحشة وقاحلة وتحاصرها الجبال من كل الجهات.
سقوط الطائرة الصغيرة، خلق نوعا من حالة الاستنفار في صفوف كل الأجهزة الأمنية بالمنطقة، وما تم العثور عليه لم يكن كافيا لتوجيه التهمة لأحد: حطام طائرة متناثرة وجزء من جناحها عالق في صخرة، ونثار من الحشيش يغطي المكان في منطقة فارغة إلا من الجبال. وقتها، تؤكد شهادات حصلت عليها الجريدة عقد اجتماع على مستوى عال، لمعرفة الوجهة الحقيقية للطائرة وهوية أصحابها لكن دون أن تفلح في ذلك.
هؤلاء الذين يتاجرون في الحشيش، كمثل الذين يبيعون الخضر والفواكه في السوق، غايتهم الأساس البحث عن الربح مع فرق واحد هو أن الاتجار الدولي في الحشيش يقوم على مبدأ «إما أن تربح مرة واحدة أو تخسر مرة واحدة» يشرح «التاجر القديم» في المخدرات، وهؤلاء الذين يستعلمون الطائرات ليسو أغبياء كما قد يعتقد البعض، بل أذكياء جدا، وكلما التف حبل السلطة عليهم كلما صار ذكاؤهم أكثر اتقادا من خلال الاستعانة بعشرات المخبرين والمتخصصين، وعلى هذا المنوال «يجب أن تفهم لماذا اختار تجار الحشيش استخدام الطائرات الصغيرة، فقط لأنهم يدركون أن الرادات التي يمتلكها المغرب لا يمكن أن تلتقط طائرات على علو مرتفع جدا، والسبب الوحيد الذي قد يوقع هذه الطائرات في الفخ هو سقوطها، مع العلم أن احتمال السقوط يبقى واردا بقوة.
رادارات ولكن..
الطيران في الجو وأنت محمل بالحشيش مغامرة كبيرة إذا لم تكن تعرف كيف تمر في المجال الجوي دون أن يرصدك أحد. المغرب، كما يشرح أحد خبراء الطيران، يمتلك رادارين أساسيين، الأول يكون مركبا داخل كل الطائرات المدنية والعسكرية. لنشرح أكثر، كل الطائرات التي تدخل المجال الجوي المغربي تبعث بإشارات من أجهزة موجودة بقمرة الطائرة إلى مراكز الطيران بالمغرب، وهي إشارات تسمح بتحديد موضع الطائرة وإحداثياتها بشكل دقيق جدا. وبناء على ذلك، لا تستطيع هذه الرادارات تحديد إحداثيات الطائرات الصغيرة، سواء تلك التي تنقل الحشيش أو غير الحشيش بالنظر إلى عدم تركيب «جهاز الإرسال» فيها.
أما الرادارات العسكرية، فهي الأكثر دقة والأكثر تطورا، ولديها قدرة على تحديد جميع الطائرات التي تخترق المجال الجوي المغربي. الرادارات التي تستعمل، في الوقت الحالي، هي رادارات ثلاثية الأبعاد تسمح بتحديد ارتفاع الطائرة ومكان تواجدها بدقة والوجهة التي تقصدها والسرعة التي تسير بها، وقد ابتكرت الرادارات الثلاثية الأبعاد، حسب الخبير نفسه، من أجل أغراض عسكرية، خاصة وأن الطائرات التي تستعمل للهجوم في الحروب تمتاز بسرعة أكثر من نظيراتها المدنية، لكن الإشكال الذي يطرح في هذا المجال يكمن في أن الطائرات العسكرية ذات القدرات القتالية تحلق على ارتفاع يفوق ألف متر بينما تحلق الطائرات التي تنقل الحشيش على علو منخفض لا يتعدى في غالب الأحيان 400 متر، مما يصعب معه أن تدخل ضمن الحيز الذي تراقبه الرادارات.
تزداد صعوبة تحديد إحداثيات طائرات الحشيش حينما تختار مكانا يتموقع بين الجبال، ولا غرابة أن نجد أن كل المطارات الصغيرة والسرية التي تهبط فيها الطائرات الصغيرة المحملة بالحشيش تكون جبلية ومحاطة بالجبال.
لدى الخبير برهان واحد يسوغ به قدرة الطائرات الصغيرة على الاحتجاب عن الرادارات: عملية بسيطة تكفي للتأكيد أن الرادارات لا ترصد هذه الطائرات الصغيرة-بعيدا عن نظرية التواطؤ التي أراها مستبعدة لأن الأمن الجوي حسب ما فهمته طوال مساري، مقدس جدا وخطير على سلامة البلاد-: كيف تصل هذه الطائرات إلى حدود مدينتي الناظور أو الحسيمة أو تطوان كما أخبرتني، فالطائرات العادية التي تسير بسرعة متوسطة تبلغ 800 كلم يمكن أن تصل في ربع ساعة أو عشرين دقيقة، أما الطائرات الصغيرة التي لن تتجاوز سرعتها 500 كلم في الساعة في أقصى تقدير، فستستغرق 40 دقيقة إلى حدود ساعة من الزمن، فيما أن إشارة الرادارات في حال رصدتها تعطي تحذيرا فوريا، وإذا تبين أن الأمر يشكل خطرا على أمن المغاربة يمكن للطائرات العسكرية المتواجدة بجهات المغرب أن تتحرك؟ الجواب، في تقديري سهل جدا، يضيف الخبير نفسه: الرادارات لا ترصد الطائرات التي تنقل الحشيش.
«المساء» حملت السؤال ذاته مع قليل من التحوير إلى طيار سابق: هل تستطيع الرادارات أن ترصد طائرات تحلق على علو لا يتجاوز 500 متر في الجو، وكم تقدر الوقت الذي ستستغرقه الطائرة من أقصى جنوب إسبانيا إلى مدينة الناظور أو تطوان إلى الشاون؟
يقول الطيار الذي اشتغل ربانا لطائرات مختلفة الأحجام إن خاصية الطائرات الصغيرة أنها لا تحلق فوق علو مرتفع كالطائرات التي تنقل المسافرين، وبالتالي يصير من الصعب جدا رصدها من الرادارات كيفما كان نوعها، لكن يجب أن نشير إلى أن هناك رادارات دقيقة جدا أصبحت تتوفر عليها الجيوش قادرة على رصد الطائرات حتى ولو هبطت في الأرض، ولا أعرف إن كان المغرب يتوفر عليها، ويجب أيضا أن نعرف أن بعض تلك الطائرات الصغيرة لا تستطيع أن تحلق في ارتفاع 500 متر بسبب الجاذبية. أما عن المسافة التي ستستغرقها طائرة ذاهبة في اتجاه الجنوب الإسباني منطلقة من الناظور أو الشاون، فلن تنزل عن سقف ساعة كاملة، شريطة أن تكون الظروف الجوية ملائمة.
كل المعلومات والشهادات تسير في مجرى واحد، وهو مجرى لا يلتقي مع ما قاله امحند العنصر، وزير الداخلية السابق في أحد اجتماعات اللجان في البرلمان، بأن الطائرات الخفيفة تنقل الحشيش من المغرب إلى إسبانيا في ظرف 6 دقائق، ومن الناحية العلمية والتقنية لا يمكن تصديق ذلك. يقول خبير الطيران إن الطائرات الخفيفة، قبل كل شيء، معرضة لتقلبات الأحوال الجوية أكثر من الطائرات المدنية والعسكرية، ثم إن قطع مسافة 30 إلى 100 كلمتر في الجو عبر طائرة تسير بسرعة أقل من 400 كلمتر في الساعة لا يتحقق تقنيا.
يقول شكيب الخياري، الناشط الحقوقي والمدني إن «استعمال الطائرات الخفيفة لنقل المخدرات من المغرب نحو إسبانيا ليس بالواقع الجديد، فمنذ سنين طويلة تشهد الأجواء المغربية والإسبانية رحلات جوية لنقل المخدرات من المغرب، وربما إلى المغرب كذلك، وفي إحدى المرات تم اكتشاف مروحية صغيرة لنقل المخدرات نواحي طنجة سنة 2008، وبعدها سنة 2010 تم اعتقال شبكة في فرنسا كانت قد استعملت مروحية لنقل الكوكايين من المغرب إلى إسبانيا ثم شحنتها في سيارة في اتجاه مارسيليا، مضيفا في السياق نفسه «على العموم فقد شهدت سنة 2008 ارتفاع حدة هذه الرحلات والتي واكبتها بلاغات لوزارة الداخلية المغربية، والتي أكدت دوما على أن هذه الطائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة لا تلتقطها الرادارات المغربية، لكن الملاحظ أن بعض الطائرات تسقط من حين لآخر، وفي جل الحالات يجدها الأمن المغربي إما محطمة أو محترقة، ونادرا ما يتم اعتقال أشخاص على إثر ذلك».
مطارات سرية
في الناظور، الحسيمة، طنجة، تطوان والشاون، تهبط طائرات صغيرة في غفلة من السكان، تحمل الحشيش وتعود إلى إسبانيا في جنح الليل وفي واضح النهار بعض الأوقات. القليل من السكان يعرفون القصة الحقيقية، لذلك يتردد منعم في الحديث إلى صحافي الجريدة رغم أني أخبرته بما لا يدع مجالا للشك أن اسمه لن يذكر في المقال. كل من سألته عن الموضوع يثير الاسم نفسه وبالمواصفات نفسها، لم يكن يوما تاجرا للمخدرات ولا شارك فيها، لكن حظه قاده ذات ليلة أن يرى ما سيسميه فيما بعد بـ«المعجزة». في اليوم الأول رفض الحديث معي مباشرة بعدما سمع كلمة تهريب الحشيش عبر الطائرات. عدت خائبا، لكن قررت أن أحاول للمرة الثانية بمساعدة فرد من عائلته فوافق على مضض.» قبل سنتين من الآن كنت في هذا المكان أتجول ليلا، وكنت أقضم تفاحة- يضحك-، فجأة أحسست بهدير لم أتبين مصدره حتى رأيت طائرة صغيرة تهبط بالقرب مني، اختفيت قرب تلك الشجرة- يومئ إلى مكان غير بعيد، أقسم لك أني لم أفهم ماذا يقع، انتابني خوف شديد، تصور، أنت في منطقة مقفرة وبطريقة مخيفة تهبط طائرة بقربك». يسترسل سرده لما رآه» هبط من الطائرة شخصان، بعدها لم أفهم كيف التحق إما ثلاثة أشخاص آخرون أو أربعة، كان الليل دامسا، رأيتهم يملؤون الطائرة بسرعة مع ضوء خافت أعتقد أنه كان مصباحا يدويا».
لم يدم هبوط الطائرة حسب ما يقدره منعم سوى 15 دقيقة، ثم أقلعت من جديد، والغريب فيما يحكيه أنه لم يعرف للوهلة الأولى أن ما امتلأت به الطائرة هو حشيش معد للتهريب كان مخبأ بعناية في أحد الأكواخ الصغيرة. مضت ثلاثة أيام مشدوها وكاتما للخبر قبل أن يستقر به الرأي أن يخبر صديقي الذي دلني عليه، ليؤكد له أن الطائرة التي رآها لم تكن تشحن الدقيق المدعم- يتذكر منعم مزاح صديقه- بل كانت تشحن الحشيش في اتجاه الضفة الأخرى. راقب منعم العملية طيلة عملية الهبوط والشحن ولاحظ شيئا غريبا وهو أن شخصين سارعا إلى محو الآثار التي تركتها الطائرة ..وكل العملية استغرقت، استنادا إلى ما يقوله منعم نصف ساعة على أكثر تقدير.
منعم ابتلع لسانه من تلك الفترة، وعرف لاحقا أن السلطات الأمنية استطاعت أن تفك لغز ما جرى تلك الليلة، لكن حكايته التي سرد تفاصيلها للمقربين منه، أصبحت بمثابة الأحجية الشعبية التي يحكيها الجميع بالكثير من العجائبية. مثل هذه القصص يمكن أن تلفيها في كل مكان لكن الذي يهمنا منها في نهاية المطاف هو أن نقل الحشيش إلى الضفة الأخرى أضحى البديل الجديد و«الناجع» بتعبير مهرب الحشيش السابق.
الذين يبنون المطارات السرية عادة لا يحتاجون إلى مجهود كبير بقدر ما يحتاجون إلى «تراكس» وإلى بعض المعاول لتسوية مكان هبوط الطائرة. تبدأ الخطة بتحديد المكان الذي يجب أن يتوفر على ميزتين اثنتين، الأولى هي أن يكون بعيدا عن التجمعات السكانية أي أن لا يخلف هدير الطائرة أية مخاوف لدى السكان أو يثير انتباه السلطات الأمنية، أما الشرط الثاني، فيستحسن أن يكون المطار متموقعا بين فجاج جبلية تجنبا لمختلف أنواع الرادارات.
حسب المعلومات التي تتوفر عليها «المساء»، فإنه قبل إقلاع طائرة نقل الحشيش، تكون شبكات الاتجار في الحشيش قد جمعت معطيات كثيرة عن مكان هبوط الطائرة: الدوريات الأمنية القريبة من المكان وأقرب وحدة سكنية. في ذهن ناقلي الحشيش دائما فرضية مخيفة ولكنها قائمة بقوة، وهي سقوط الطائرة، الذي قد يفضي إلى اعتقال جميع أفراد الشبكة أو بعضهم على الأقل.
أثناء هبوط الطائرة، استنادا إلى المعطيات نفسها، تشعل بعض الفوانيس على جانب «المطار» الذي تمت تسويته، وتثبت تلك الفوانيس على قارعة المطار الصغير الذي تم إعداده سلفا، وغالبا ما تدوم عملية الشحن، حسب المعطيات ذاتها 10 دقائق إلى عشرين دقيقة.
شكيب الخياري*: الأحزاب المغربية ليس لديها قدرة الاقتراب من الوسائل التي يوظفها بارونات الاتجار الدولي للمخدرات
قال إن الطائرات الخفيفة تنقل الكوكايين أيضا والمطارات الصغيرة لا تحتاج لتكاليف باهظة لتشييدها
– هناك حساسية كبيرة فيما يخص المطارات السرية للحشيش، هل مازال الأمر يصنف في خانة الطابو؟
موضوع المخدرات بالمغرب وخصوصا الحشيش عرف أخيرا الرفع جزئيا للطابو حوله، ويتعلق الأمر بالنقاش العمومي الجاري على المستوى الوطني بشأن تقنين زراعة واستغلال الكيف، وما يرتبط به من وضعية المزارعين وأسرهم ومعاناتهم الاقتصادية والاجتماعية،وهو الأمر الذي كان منذ سنوات قليلة من الطابوهات، والتي لم يجرأ من قبل أي من الأحزاب أو جمعيات المجتمع المدني أو النقابات العمالية على طرحها، اللهم الإعلام الذي قدم الشيء الكثير في هذا الباب واتسم في تعاطيه بالجرأة.
لكن الجوانب ذات الحساسية العالية في الموضوع، والمرتبطة بالمستفيدين الرئيسيين من حلقة الاتجار غير المشروع في المخدرات بما في ذلك الطرق والأساليب التي يسلكونها، فلن نجد لها أثرا بالمطلق في النقاش الجاري حاليا حول الكيف لدى الأحزاب السياسية وحتى جمعيات المجتمع المدني المقيمة بمحور الرباط-الدار البيضاء، لما لها من حضور وازن في الحياة السياسية والجمعوية ببلدنا، بل ولن تجد لها أي أثر عند أي منها في الماضي، وحتى أثناء قيام حملة 1996، التي قيل حولها الكثير.
وموضوع مطارات المخدرات بالمغرب يدخل في السياق نفسه، فلن تجد ولو برلمانيا واحدا طرح سؤالا عن الطائرات الخفيفة الناقلة للمخدرات، التي تخترق الأجواء المغربية وتخرج منها بكل يسر، بما يعنيه من وجود ثغرة أو ثغرات في النظام المغربي للحماية الجوية أمام بارونات المخدرات، وبالتالي ضد غيرهم بما فيهم من هم أخطر منهم، ما يستدعي تصحيح الوضع واتخاذ تدابير أمنية صارمة في هذا الشأن، لما يمكن أن يخلفه من مفاجآت غير سارة مستقبلا، خصوصا مع العلاقة الثابتة بين العديد من شبكات الاتجار غير المشروع في المخدرات و المجموعات الإرهابية.
فخلال الولاية البرلمانية الجارية، حسب علمي أحيل على مجلس النواب 22 سؤالا كتابيا متعلقا بمحاربة استهلاك المخدرات أو بيعها أمام أبواب المؤسسات التعليمية أو في بعض القرى، أو الأحياء السكنية، فيما أحيل سؤال شفوي يتيم من ضمن 25 سؤالا حسب علمي متعلق بموضوع تهريب المخدرات عبر المنافذ المغربية لحزب الأصالة والمعاصرة في يوليوز الماضي، لم أطلع على مضمونه بعد لمعرفة مدى علاقته بموضوع استخدام الطائرات الخفيفة في ذلك.
كل هذا في الوقت الذي يتم الحديث فيه عن اقتحام بارونات المخدرات لمجال السياسة في المغرب ومن خلالها إلى مؤسسات دستورية لكبح ما أمكن عمليات اقتناصها وكذا حماية تجارتها، ولعل البلاغ الشهير الذي أصدره حزب الأصالة والمعاصرة عن تورط أعضائه في استخدام أموال المخدرات في الانتخابات لخير دليل على ذلك، وكذلك تصريح عبد الهادي خيرات القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بكون ربع أو ثلث البرلمانيين تجار مخدرات، بالرغم من أنها تصريحات وليدة لحظة ولم يكن لها أي صدى لا في حينه ولا لاحقا، خصوصا بسبب عدم اكتراث المجتمع المدني للموضوع.
– انتعشت حركة نقل الحشيش عبر الجو من خلال استعمال طائرات صغيرة تنقله من المغرب إلى إسبانيا، كيف تفسر هذا الانتعاش؟ وهل هناك أرقام حول نقل الحشيش عبر الطائرات؟
استعمال الطائرات الخفيفة لنقل المخدرات من المغرب نحو إسبانيا ليس بالواقع الجديد، فمنذ سنين طويلة تشهد الأجواء المغربية والإسبانية رحلات جوية لنقل المخدرات من المغرب ولربما إلى المغرب كذلك، وفي إحدى المرات تم اكتشاف مروحية صغيرة لنقل المخدرات نواحي طنجة سنة 2008 وبعدها سنة 2010 تم اعتقال شبكة في فرنسا كانت قد استعملت مروحية لنقل الكوكايين من المغرب إلى إسبانيا ثم شحنتها في سيارة في اتجاه مارسيليا، وعلى العموم فقد شهدت سنة 2008 ارتفاع حدة هذه الرحلات والتي واكبتها بلاغات لوزارة الداخلية المغربية، والتي أكدت دوما على أن هذه الطائرات تحلق على ارتفاعات منخفضة لا تلتقطها الرادارات المغربية، لكن الملاحظ أن بعض الطائرات تسقط من حين لآخر، وفي جل الحالات يجدها الأمن المغربي إما محطمة أو محترقة، ونادرا ما يتم اعتقال أشخاص على إثر ذلك.
أخيرا، اعتقلت السلطات الإسبانية بتعاون مع السلطات المغربية شبكة كانت تستعمل هذا النوع من الطائرات التي كانت محملة بالحشيش من مناطق نواحي طنجة والعرائش، وقبل ذلك بقليل تم كذلك اكتشاف حطام طائرة محترقة بإقليم الدريوش بدون أي أثر لسائقها أو لسبب تواجدها بالمنطقة، لكن المؤكد أن عدد الرحلات أكبر بكثير مما تم اكتشافه، خصوصا وأن روايات عدد من سكان مناطق قروية مثل نواحي عين زهرة ونواحي جماعة الدريوش بإقليم الدريوش وكذا نواحي سوق الأربعاء ونواحي شفشاون ونواحي المهاية قرب مكناس، تؤكد وجود مساحات معدة لنزول طائرات خفيفة، وقد سبق واعتقلت شبكة كانت تخبئ الطائرة الخفيفة داخل ضيعة فلاحية نواحي مكناس تعود ملكيتها لأحد أعضائها.
بالنسبة للمعلومات الرقمية، تصعب معرفتها في غياب مصادر رسمية، اللهم ما تعلق بحالات تطرق لها إعلام الدول الأجنبية أو الإعلام المغربي أو بعض البلاغات النادرة لوزارة الداخلية في هذا الشأن، مما لا يسمح بمعرفة الحجم الحقيقي للظاهرة، مثلما كان الأمر بالنسبة للزوارق النفاثة الناقلة للحشيش، والتي كان عموم الرأي المغربي يجهل وجودها قبل انفجار ملف بحيرة مارتشيكا التي كانت عبارة عن محطة كبيرة لهذه الزوارق.
– بالنسبة للمروحيات أو الطائرات الصغيرة التي توظف في نقل المخدرات، هل هناك إمكانية لتصبح الوسيلة الوحيدة لنقل الحشيش في السنوات المقبلة؟
يصعب الاستعاضة عن الزوارق النفاثة وكذا الحاويات والشاحنات الكبيرة التي تنقل حمولات تزن الأطنان تصل إلى عشرة أطنان، فيما تقوم الطائرات الخفيفة بنقل كميات صغير للغاية تصل إلى 500 كيلوغراما، فيما تصلح أكثر في نقل الكوكايين لقلة وزنه وغلاء ثمنه.
– بالنسبة للمطارات السرية التي تهبط فيها هذه الطائرات، هل هي معدة سلفا؟
بالنسبة للمطارات أو المدرجات التي تحط عليها الطائرات الخفيفة الناقلة للمخدرات فهي لا تحتاج لبنائها أو تكاليف باهظة لإعدادها، حيث تستطيع أن تحط على أرضية مستوية أينما تواجدت، ويتم الإعداد لها في بعض المناطق وتبقى على حالها، كون تلك المناطق لا تعرف حركة مهمة للسكان، وفي المناطق التي ذكرت سابقا، ومنذ سنين خلت، مازلت أتذكر روايات بعض الناس حول الموضوع، وعن اعتيادهم مشاهدة أنوار توضع في الأرض لتحديد طرفي الأرضية التي ستحط عليها الطائرة.