هذا المساء ههنا ملامح الدنيا بمقاس آخر ، كل العيون التي كانت تبكي من حولك بصمت كانت تبصرك سيدي عبد العزيز (قدس الله سرك) وأنت تحلق فوق الأكتاف، وأنت لا تشعر بنا نحن نقطع المسافات ونخترق الدروب والسقوف وساقاي لم تعد تقوى على المشي بك ونحن نسوق جثتك الطاهرة لترتقي من تحت الأرض عبر السحاب إلى سدرة المنته .
لأول مرة شاهدت بقايا رجال تحتل الزمان والمكان، وشاهدت مقهى (الزهرة) وقد جفّ يبكي على فراقك ونعشك يعبر من أمام بابها، كل الأماكن تفقد أشعتها بعد موتك سيدي عبد العزيز (قدس الله سرك) وحده صوتك الزجلي، طيفك الرائع سيسدل الأماكن كله .
لماذا لم يمنحني القدر فرصة إلقاء تحية الوداع عليك وأنت تخاطبني بتلك الهامة و القامة، أيها الشاب الظريف، أنا فخور بك ؟ فقد مضى على رحيلك أيام، ولم يعد بوسعي أن أخاطبك بـ (أنا معجب بك سيدي عبد العزيز قدس الله سرك) الحيرة الكبرى تكتنفني
في طريق رحليك الى حيث ترقد روحك داخل ذلك الصندوق المشمع مثل الدمعة في الغابرين، وبينما روحك تبتعد عني، كانت كائنات أخرى من حولي ترافقك تعرفك جدا بدأت أخاف رغم أن الملائكة نورانية من حولك في رحلتك تطرد الشياطين والنور يطغى بقيت مشدودا للخلف .. فراقك (سيدي عبد العزيز قدس الله سرك) يعزّ علي، لازلت أبحث عنك .. عن عنوان بيتك الجديد .. عن حدود قبرك البعيد .. عن خدّك الممتليء بإبتسامة بقدر الكون . شيعتك دموع لم ولن تراها، تغسلني العبرات لوحدي ثم تسقط من جسدي المتناثر .
أصدقائك … أحبائك … الذين كنت تجالسهم يسيرون ، يقفون ، يترحمون على “توديعك ” رفقة باقي الحشد … الكل يريد مشاهدتك لآخر مرة .. وكلهم يعلمون أنك الآن ابتعدت كثيرا ، وأنك في ذلك المقام … وهم سوف يحضروا جموعا وفرادى كي يجدونك في مقامك…
بعيوني الكثير من الحديث لك… وبعض النظرات اليك لست أدري لماذا سأفتقدك هذا اليوم .. في حياتي … في عملي .. في مقهى الزهرة .. كل من يعرف بيتيك .. جاء رفقة الآخرين ليودعك … لا أعرف المشيعين كلّهم .. لكن أعرف أن الذين أحبوا (سيدي عبد العزيز) لا عَدَّ لهم ، كنت أراهم جميعا حائرين .. لماذا يموت الذين نحبهم قبل أن يخبروننا بذلك؟ لماذا رحلت عنا ابتساماتك الطيبة التي أهداها لنا الله منك دون مقابل ؟
صدقك و طيبة أخلاقك من ينطقني وأنا ميت ، لهفة قلبي على استعادة بسمتك التي لم تفارقك يوما .. أنا لم أكن صاحب فضل عليك في شيء ذات يوم … بعد الرحيل ينتحر و يخبو وهج النقاش و تسقط بالموت كل الوعود التي قطعناها و يصبح للعجز معنى واحد . أنت لن تراني بعد اليوم .. وأنا لن أرك بعد اليوم على كوكب الأرض ، أستودعك الله والسلام على مقامك تحت الأرض و فوق السماء ورحمة الله تعالى وبركاته.