Web Analytics
مقالات الرأي

تهميش داخلي يطال ساكنة سبتة المحتلة

سبق وأن أثير قبل سنة، مشكل افتعلته السلطات الإسبانية فيما يخص الحقل الديني، يهم سكان المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، بهدف إبعاد المسلمين بالمدينتين المحتلتين عن ما يربطهم بالمغرب من علاقات دينية وثقافية وصِلاتٍ عائلية وأخرى روحية تجمعهم بإمارة المؤمنين بالمغرب، وقد كان أثير جدل في الوسط الاجتماعي أعطى انطباعا سيئا عن الجارة الإسبانية التي تدعي الصداقة للمغرب، إلا أنه يظل أمرا طبيعيا من قبل دولة مستعمرة .
لكن الأغرب من ذلك أن يصدر تصرف مماثل من طرف مسئولين من عمالة المضيق، في إقصائهم لساكنة سبتة، المتمثلة في الوفد الذي تعود الحضور للصلاة مع الملك في كل صلاة يوم جمعة بمساجد مدينة تطوان والنواحي، حيث أعلن عن غضبه في وجه المسؤولين السيد محمد حامد علي رئيس جماعة المسلمين بسبتة المحتلة، لتكرار عملية إبعاد الوفد الممثل لمدينة سبتة الذي يترأسه، عن الصفوف الأمامية التي تصلي إلى جانب الملك، بمسجد محمد السادس بالمضيق، لجمعتين على التوالي آخرها كان يوم الجمعة 19 شتنبر، وعدم إعطاءه فرصة السلام على الملك كما هي العادة في المناسبات الدينية والوطنية والتدشين الذي يقوم به الملك في ربوع الوطن، خصوصا وأن الصلاة التي يحضرها صاحب الجلالة في المضيق لها دلالة عميقة في نفوس السبتيين كونه يتواجد قريبا من حدود المدينة التي تحتاج التفاتته الملكية، لتأكيد التماسك الروحي الرابط بينه وبين فئة من هذا الشعب ليشملهم إحساس الانتماء لهذا الوطن، في حين يستقدم بعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم بحاشية الملك، للصلاة في المقصورة المخصصة لرجال الدولة وممثلي الهيئات والمقربين من السلطة المعتمد عليهم في شؤون الوطن.
وتأتي هذه الواقعة إمعانا في تهميش ساكنة المدينة السليبة سبتة وأختها مليلية، اللتان لم يعد لهما صوت داخل جدران الحكومة ينادي بحقوقهما وبما تعانيه ساكنتهما من اضطهاد تحت راية الاستعمار، فبعد أن كانت الحرب الباردة بين مسلمي المدينتين والسلطات الاستعمارية، لإقصائهم عن حضن الوطن والانتعاش بممارسة الشعائر الدينية بنفس المذهب المتبع في المملكة المغربية، تأتي الصدمة من داخل الوطن، وما أقواها من صدمة، محاولة واضحة لتهميش الوفد السبتي عن باقي الأعيان المقربين الذين يحضون بالصلاة إلى جانب أمير المؤمنين، وآخرون لا يرقون إلى هذه المكانة، ومما عُهد عنه دائما رئيس جماعة المسلمين بسبتة كان ولا يزال يعتبر الرجل القوي الذي لا يُثنيه أمر عن الوقوف في وجه سلطة المستعمر مدافعا عن مغربية سبتة ومليلية وكل الأجزاء المستعمرة، ومن المتمسكين بمكتسباتها الوطنية والدينية وهويتها المغربية، ومن المنادين بترسيخ إمارة المؤمنين في ربوعها، إلاَّ أن الحادثة التي أثارت تساؤلات في الأوساط التي عرفت عنه حمِيَّته الوطنية ودفاعه المستميت عن قضيته التي تهم كل الشعب المغربي، جعلت سؤالا كبيرا مُسْتنكرا يطفو على السطح يزيد من قتامة ما يلف قضية سبتة ومليلية، والسكوت عن مشكلهما العالق منذ سنين مضت من الاستعمار، وكيف تُمعن الحكومة في تجاهلها هذا الملف الذي لم يعد مقتصرا فقط على أجزاء ترابية، بل وأصبح يُشكل خطورة بالغة تكمن في انسلاخ المواطنين روحيا عن وطنهم الذي أدار لهم ظهره، وهل يُعتبر هذا التهميش المبطن تصريحا علنيا بالتخلي عن المدينتين المحتلتين وما تحويهما من ساكنة مهمة دون تقديم أي تفسير؟ . إن الإمعان في السكوت على هذه الطريقة المثيرة للشكوك تنأى بأفكار ساكنة سبتة وخصوصا الشباب منهم والذين يمثلون أكبر شريحة في المدينتين، إلى التفكير في إحداث إمارة مستقلة، وليس ببعيد ما يحدث في العالم العربي من حولنا من قيام إمارات وتجمعات تسيرها جماعات إرهابية منضوية تحت راية تدعي الجهاد في سبيل الله، فنحن أمام كارثة لا تحمد عقباها ستنفجر آجلا أم عاجلا لتفصح لنا عن واقع طالما نبهْـنا له في عدة مناسبات سابقة.
ويهُمّنا كمواطنين نغار على هذا الوطن ومقدساته، أن نعِي وأن نكون على دراية بما يجول داخل كواليس الحكومة التي لا تطرح مخططاتها وبرامجَها المستقبلية تُجاه هذا الوطن، خصوصا فيما يتعلق بالأمور العالقة لبعض الملفات الشائكة كملف سبتة ومليلية، وأن نعرف ولو مؤخرا أن سنوات من الكفاح ضاعت على بعض المناضلين لم تُثمر بشيء، ولم يُشر لها حتى بالتنويه عرفانا بالجميل لما قدموه من تضحيات وكفاح وغيرة، أدت في بعض الأحيان إلى المساس بشخصهم والتنكيل بهم والإساءة إليهم من طرف السلطات الاستعمارية، ولنتأكد هل حقا ما يثار في الأفق من غبار يخفي خلفه حقيقة التخلي نهائيا عن أجزاء من أرضنا الغالية التي طالما حلمنا بأن يرفرف على سمائها علم المغرب، لكي ننعى للوطن بتر أطراف منه للأبد، ونترحم على غيرة ماتت في قلوب بعض مسئولي هذا البلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى