تزايدت حالات الانتحار بمدينتنا تطوان بكثرة في الاونة الاخيرة و منها ما يعرف اسبابها و اخرى تبقى مجهولة السبب، و الادهى انها تحدث بين جميع الفئات العمرية و الطبقات المجتمعية و لذلك اصبحت هذه الظاهرة تستدعي اكثر من وقفة تامل للتفكير في اسبابها البينة و الخفية و محاولة ايجاد علاج فعال لها.
وبالرغم من ان المقاربة الاحصائية لهذا الموضوع تكاد منعدمة لا على الصعيد الوطني ولا على الصعيد المحلي فقد افادت بعض التقارير الاعلامية حسب بعض الاحصائيات الرسمية ان المغرب سجل ما بين عامي 2009 و 2013 اي في اربع سنوات 2894 محاولة انتحار بلغ عدد الوفيات جراءها 2134 منها 85% تمت شنقا بالاضافة الى 700 محاولة انتحار فاشلة، و اضافت ذات التقارير ان حالات الانتحار شملت 65% من الذكور و 20% من الاناث كما ان احصائيات اخرى ذكرت ان 6% من المغاربة يعانون من الاكتئاب و هو من بين الاسباب التي تدفع بالاشخاص بوضع نهاية لحياتهم بعد الفشل في مواجهة الضغوطات هذا و يجب ان نضيف حالات الانتحار التي لا يتم التصريح بها تجنبا للفضيحة كما هو الشأن بالنسبة للقرى و بين العائلات المحافظة، اذن فما هي الاسباب الحقيقية التي تدفع شبابنا الى وضع حد لحياتهم و فتح باب جهنم امام عائلاتهم ؟
لكن قبل الحديث عن هذا وجب علينا ان نتساءل ايضا : هل يعي المنتحرون بالعذاب الذي ينتظرهم في الاخرة عند اقدامهم على وضع حد لحياتهم ؟ هل فكروا للحظة ان لكل مشكل حل و ان لا شيئ يستحق قتل النفس ؟ هل يظنون انهم بانتحارهم سيحلون المشكل ؟ ان الانتحار جريمة لا يعاقب عليها القانون حيث اقتصر الفصل 407 من القانون الجنائي على التنصيص على ان كل شخص ساعد عن علم في الافعال التحضيرية او المسهلة للانتحار او زود الراغب في الانتحار بالسلاح او بالسم او الادوات اللازمة للانتحار مع علمه ( الشخص) انها ستستعمل لهذا الغرض اي ضرورة اشتراط العلم بعملية الانتحار فانه يعاقب بعقوبة حبسية من سنة الى خمس سنوات اذن فالعقوبة تقع فقط عند اكتمال عناصر المساعدة .
كذلك بالرغم من ان التحريم غير صريح في الدين فان الامر الاهي و يجب الا نخالفه حيث قال سبحانه و تعالى في سورة النساء الاية 29 ** ولا تقتلوا انفسكم ** و بهذا امرنا بالحفاظ على ارواحنا لانها امانة في عنقنا كما انه يسر على عباده في وقت الشدة بقوله سبحانه الاية 29 ** ان الله كان بكم رحيما ** وهذا وعد الله الحق المليئ بالرحمة لعباده و التفاؤل و الامل.
و تختلف وجهات النظر بين الاخصاء النفسانيين و علماء النفس حول العوامل التي تؤدي للانتحار ومع ذلك فقد اشارت احصاءات و دراسات مختلفة الى عدة اسباب منها عنصر الكآبة و مشاعر اليأس و جهل الاوامر الالاهية و فقدان شيئ غال او خسارة كبيرة و عوامل نفسية مثل العزلة او العدوانية و الادمان على الكحول و المخدرات و انضافت مؤخرا عوامل مثل الرسوب في الامتحانات و الاصابة بمرض خطير الى اخره، هكذا نجد ان معظم حالات الانتحار سببها فقدان الامل في الحياة و ضيق النفس و اضطرابها متناسين ان الامل هو الله سبحانه و تعالى و نجد هناك اسباب اخرى عديدة تدفع للانتحار مثل ضعف الضمير و عدم القدرة على التكيف مع المجتمع و الصراعات الداخلية و تكسر الروابط الاجتماعية و الفقر و البطالة… ان الشخص الذي يقدم على الانتحار لا يفكر في طلب المساعدة بل يظن ان لا احد يستطيع مد يد المساعدة له و نظرا لانعدام الرؤية المستقبلية فانه يقدم على وضع حد لحياته و قتل النفس التي حرمها الله.
و بالرغم من صعوبة تحديد علاج شامل للاضطرابات المؤدية الى الانتحار و التي ذكرناها سابقا فانه يجب القاء الضوء على السلوك الانتحاري خاصة بين المراهقين و الشباب للتمكن من وضع خطط وقائية للحد من تزايده كانشاء مراكز او منظمات او جمعيات تشرح مشاكل الشباب و تعمم الإخبار بها و بحلولها كي لا يحس الشخص الذي يفكر في الانتحار بالعزلة و الوحدانية. اما من الناحية العائلية فيجب وضع برامج اجتماعية تساعد الاباء على التآلف مع المعايير الاجتماعية الجديدة خاصة في المحيط الرقمي و التكنولوجي و توجيههم لمنع تفاقم الهوة بين الاجيال و ايضا التعريف بالامراض و الاضطرابات النفسية التي تتسبب بالانتحار و تسهيل التواصل بين العائلات و الاطباء النفسيين. و من الناحية المجتمعية على الدولة و الاحزاب ان تعيد النظر في تصورها للمجتمع خاصة في جوانب البطالة ووضع برامج لتامين العمل للشباب بما يتناسب و كفاءاتهم العلمية.
اذن مما سبق نستشف ان الحل لمشكلة الانتحار يقع على عاتق الاهل و المجتمع و المؤسسات التربوية و الاحزاب السياسية و بذلك يتبين ان الامر ليس بالسهولة بمكان حيث ان مجتمعنا مرغم على اجراء دراسات علمية جديدة لواقعنا الجديد و تفاعلنا مع المحيط الخارجي.