يستمر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” واسمه المختصر “داعش” في لفت انتباه خبراء الحركات الإسلامية وخاصة المتطرفة والإرهابية منها بسبب ظهوره المفاجئ وتغطيته على التنظيم الأم “القاعدة. وتشير المعطيات المسجلة حتى الآن أنه يختلف عن تنظيم القاعدة من خلال تفادي التطرف في التعامل مع الناس في العراق وفي احتمال إقامة المقاتلين الأجانب بصفة نهائية في الأماكن التي يتواجدون فيها دون العودة الى بلادهم. وهذه المعطيات تفيد باحتمال كبير لعدم عودة المقاتلين المغاربة الذين التحقوا ب “داعش”.
ومن خلال جرد لمختلف التقارير الاستراتيجية حول التطرف الإسلامي والإرهاب، لا توجد أي دراسة تشير الى مستقبل تنظيم القاعدة، حيث ساد الاعتقاد في بقاء الزعامة وسط محيط أسامة بن لادن وأساسا أيمن الظواهري، لكن حصل العكس.
فقد حملت تطورات الحرب في سوريا والعراق الكثير من المفاجأت وعلى رأسها قرار “داعش” الانفصال التنظيمي عن تنظيم القاعدة بل والانتقال الى مستوى الدولة من خلال إعلان “الخلافة الإسلامية”. ولم يسبق لتنظيم القاعد الإعلان عن الخلافة الإسلامية، لكن داعش لم يتردد وأصبح اسم التنظيم “الدولة الإسلامية”.
وهذا التطور يحمل في طياته كذلك تغييرا في طريقة العمل أكثر ذكاء من القاعدة. وتنظيم القاعدة أعلن الحرب الشاملة ضد من يسميهم بالمسلمين المرتدين والغرب، وكان يرغب في تصدير أفكاره الى الخارج وعملياته. وهنا يمكن مقارنته تكتيكيا بالفكر التروتسكي الذي راهن على نشر الشيوعية بدون هدنة مع الآخرين. يحدث العكس مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي يرغب في بناء ذاته في الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، لاسيما وأنها توفر له الموارد المالية من عائدات النفط الذي يبيعه في الوقت الراهن.
ويهدف التنظيم الى هدنة مع سكان المناطق التي يقوم بالسيطرة عليها، حيث يفرض بعض مظاهر الإسلام مثل علم التنظيم وبعض المظاهر الأخلاقية الرئيسية، ويتبنى نوعا من المسامحة حاليا من باب المناورة لكسب تعاطف الناس وتفادي بؤر المقاومة الأهلية في المناطق التابعة له.
وضمن ترسيخ كيانه، يجلب تنظيم “الدولة الإسلامية” الأنصار من الداخل والخارج لتشكيل هياكل الدولة “الخلافة” التي شرع في إرساءها. في هذا الصدد، يعيد تجربة استقرار الأجانب المتدينين في أفغانستان خلال حقبة الطالبان، ويعيد تجربة استقرار الدائم للمسلمين في البوسنة بعد الحرب قبل قرار ترحيلهم بالقوة والقانون في السنوات اللاحقة.
وهذه الفرضية التي بدأت تتبلور في أرض الواقع تؤكد الاحتمال القوي بأن ما يسمى “الجهاديين” الذين التحقوا بالدولة الإسلامية يهاجرون بدون عودة على الأقل في المدى القريب والمتوسط خاصة إذا لم يجبرهم تحالف دولي على مغادرة المنطقة. ومن بين هؤلاء المغاربة الذي يتراوح عددهم ما بين ألف و 1500، وفق تقارير استخباراتية، وهو رقم مرشح للإرتفاع. ويلاحظ عودة القليلين جدا من المغاربة، الذين لم يستطيعوا المغامرة والبقاء هناك أو الذين يعودون خلسة لتنظيم شبكات الاستقطاب.
وفي سلسلة النتائج المترتبة عن كل معطى ومستجد، استقرار “الجهاديين” ومنهم المغاربة في سوريا والعراق، يجعل خطرهم في الوقت الراهن غير وارد بشكل كبير، وإن كان الاحتياط والحذر يفرض نفسه تحسبا لمفاجآت. وعلاقة باحتمال غياب الخطر راهنا، هو خطاب “الدولة الإسلامية” المختلف عن القاعدة، فهو خطاب لا يولي أهمية لضرب الغرب بهدف تفادي المواجهة لاستغلال الوقت لبناء ذاته كدولة.