رشيد المليحي كان يعتقد أنه تعرف على الجهاد في سوريا من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية والقنوات الفضائية. لكنه عندما انضم في نهاية المطاف إلى شباب مغاربيين آخرين على الجبهة الأجنبية، اكتشف أنه كان مخطئا حول ما هو عليه الواقع في الميدان.
ورجع أدراجه إلى بلاده، وتم توقيفه لدى عودته والآن هو ينتظر المحاكمة في زنزانة بسجن مغربي. المليحي يواجه خمس سنوات سجنا بتهم الإرهاب.
الشاب يسعى إلى تحذير الآخرين حول تجربته في سوريا. مغاربية التقت به في سجن سلا للتعرف على مساره من تطوان إلى حلب.
مغاربية: حدثنا عن نفسك.
رشيد المليحي: أنا شاب مغربي مسلم من مواليد 1981 بتطوان، أنحدر من أسرة محافظة. توفي والدي وأنا طفل صغير لا يتجاوز عمري ثلاث سنوات، خاصمت مقعدي الدراسي في وقت مبكر وغادرت المدرسة في السنة الثانية إعدادي رغم أنني كنت متفوقا ومجتهدا لكن الظروف العائلية غير المستقرة دفعتني إلى ترك الدراسة للبحث عن العمل.
تزوجت وعمري 24 سنة ولي أربعة أطفال أكبرهم لا يتجاوز عمره ثماني سنوات.
مغاربية: هل كانت لديك آراء دينية متشددة في مرحلة من مراحل حياتك؟
المليحي: صراحة لم أكن متشددا أو متزمتا في أي مرحلة من مراحل حياتي… كنت أحب لعب الكرة والذهاب إلى البحر لقضاء أوقات ممتعة صحبة أصدقائي… كنت شابا عاديا.
كنت مدمنا على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا فيسبوك. وكنت أقضي أحيانا ساعات في الإبحار وسط أمواج مواقع الإنترنيت.
مغاربية: كيف جاءت فكرة الذهاب إلى سوريا للقتال؟
المليحي: كنت أتألم حين أرى وأسمع عن معاناة الشعب السوري، الأخبار والقنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية تنقل ليلا ونهارا أنباء عن الشعب السوري وهو يقتل ويشرد في وطنه…
على كل حال سافرت إلى سوريا… للمساعدة.
مغاربية: كيف ذهبت إلى سوريا؟
المليحي: … كان لي اتصال بأحد أبناء الحي الذي سبقني إلى هناك وحفزني على الذهاب، كنت على اتصال به عبر فيسبوك والهاتف على مدار الساعة للتنسيق ولوضع آخر الترتيبات قبل بدأ الرحلة.
انطلقت الرحلة من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء. سألوني عن وجهتي فأجبت بأنني مسافر إلى تركيا…
حطت الطائرة وكان صديقي في انتظاري. أخذني في سيارة رباعية الدفع إلى الحدود السورية.
مغاربية: وماذا وقع بعد ذلك؟ هل التحقت بباقي الجهاديين المغاربيين في سوريا؟
المليحي: … حين وصلت إلى سوريا التحقت بمقر سكني يسمونه: “دار الضيافة”، وهي عبارة عن ثلاثة مجمعات سكنية كبيرة يتألف كل منها من ثلاثة طوابق كبيرة، بها صالات واسعة للاستقبال وغرف للنوم مجهزة ومكيفة، تلفازات مسطحة، الإنترنيت موجود عبر الأقمار الاصطناعية، كل مالذ وطاب من الطعام والشراب. لدرجة أنني ذهلت.
قضيت شهرين هناك والتقيت بالعديد من المغاربة. كل منهم يختار الجماعة أو الفصيل الذي ارتاح إليه ويريد أن يقاتل بجانبه… كان صديقي أحد مقاتلي داعش التي لم أكن أرتاح إليها، وقد كانت لي انتقادات لاذعة لهذه الجماعة وتحركاتها حتى وأنا ما أزال في المغرب عبر التويتر وفيسبوك…
وحتى المواطنين السوريين في ريف حلب كنت أحس بأنهم غير مرتاحين لهذه الجماعة وكانوا لا ينظرون إلينا بعين الرضى… هم مواطنون بسطاء يريدون العيش في أمن وأمان بعيدا عن التطاحن اليومي للفصائل والجماعات في سوريا. آلمني حقا هذا الأمر…
مغاربية: هناك شباب مثلك غادروا منازلهم في المغرب وتونس وأماكن أخرى في المغرب الكبير للانضمام إلى المقاتلين الأجانب في سوريا . لماذا ذهبت إذا لم يكن هدفك هو القتال؟
المليحي: سأكون صريحا معك لقد ذهبت إلى سوريا لنصرة الشعب العربي السوري وكنت أحس بمسؤوليتي اتجاههم لكن للأسف وجدت واقعا آخر غير ذلك الذي ينقله الإعلام وفيديوهات اليوتوب حيث عرض مستمر للضحايا والدمار.
لم تكن لدي المعطيات الكافية للحكم على الأمور. لكن صدمت لأنني وجدت واقعا آخر. المقاتلون العرب غير مرحب بهم في سوريا عموما…
عشت صراعا بين الحركات والفصائل واقتتالا يوميا داخليا بين أنصار الشام والجيش الحر والفصائل الأخرى، حيث كل فصيل أوجماعة تقاتل أخرى.
كان هناك شباب مغربي في فصيل جاء ليقاتل قوات بشار فوجد نفسه يقاتل مغاربة آخرين في فصيل آخر.
جئنا لنحارب جيش الأسد ولننصر الشعب السوري لكننا اصطدمنا بواقع آخر، فصائل وجبهات تقاتل بعضها وقوات الأسد تتقوى وتقتل الجميع.
مغاربية: ماذا حدث بعد أن رأيت الواقع على الميدان؟
المليحي: كنت خائفا أن أموت من أجل قضية لم أعد أؤمن بها.
اعتقدت أنني كنت مخطئا لأنني تركت أسرتي وأطفالي وجئت إلى سوريا مندفعا لأصطدم بواقع اقتتال يومي بين أناس لم أقطع كل هذه المسافات لقتالهم.
أصبحت أشعر أن وجودي في سوريا خطأ كبير، وكنت أمام ثلاثة اختيارات، إما البقاء إلى الموت من أجل قضية لم أعد مرتاحا لها ولا مؤمنا بها أو السفر إلى تركيا أو إلى أي مكان آخر للعيش مغتربا حتى الموت؛ أو الرجوع وتحمل التبعات.
وأخيرا وبعد تفكير قررت العودة… وقلت مع نفسي إن السلطات المغربية لن تعتقلنا بل سيسألوننا بعض الأسئلة عن السفر ودوافعه ثم سيتم إخلاء سبيلنا لكن تم اعتقالي في المطار واقتيادي إلى السجن للمحاكمة.
مغاربية: ما هي نصيحتك للشباب الآخرين الذين يفكرون في السفر إلى سوريا؟
المليحي: أقول لهم لا تنساقوا وراء الوهم ولا تصدقوا فيديوهات يظهر فيها سوريون يطلبون العون والنصرة.
عندما كنت في سوريا كان هناك العديد من الشباب الذين يتحركون على فيسبوك بأسماء مستعارة يسألونني عن الجهاد والقتال في سوريا لنصرة الشعب السوري. فأقول لهم : “لا تأتوا وابقوا في بلدانكم لأنني ندمت على المجيء بحثا عن السراب”.
ليس هناك شيء في سوريا سوى فصائل تقاتل أخرى وجماعات تحارب أخرى، قتال لا يقبله أي عقل أو منطق، هذا كلام إنسان عاش تجربة وواقع حي أيها الشباب لا تنخدعوا فالذهاب إلى سوريا مغامرة غير محسوبة العواقب. وحتى الطمع في الأجر ليس هناك أجر …
ليس هناك أجر سوى الهلاك…