قال الأمين العام لحزب اتحاد سبتة ورئيس جماعة المسلمين بمدينة سبتة المغربية الخاضعة للاحتلال الإسباني محمد حامد علي، إن المغرب مدعو إلى مزيد من العمل لاستعادة مدينتي سبتة ومليلية الواقعتين على شواطئه الشمالية والخاضعتين للسيطرة الإسبانية.
وأضاف علي أن ملف المدينتين يعرف حراكا غير مسبوق إذ أن هناك محاولات من قبل جهات إسبانية مدعمة بأحزاب وجمعيات مغربية تسعى إلى إلحاق المدينتين بإسبانيا رغم الأدلة التاريخية والجغرافية التي تفند هذه السياسة الاستعمارية.
وفي ما يلي نص الحوار:
ما هي الأهداف الرئيسة لحزب اتحاد مسلمي سبتة وجماعة المسلمين بمدينة سبتة؟
-الأهداف الرئيسة لحزبنا هي إشعار المغاربة المسلمين مجنسين كانوا أو غير مجنسين، بأن تلك الأرض هي أرضهم وأرض أجدادهم وليسوا متطفلين عليها كما يوهمهم الاستعمار الإسباني الذي قطع البحر (الأبيض المتوسط) من أجل استيطانها ظلما، ليشعر المواطن المغربي أنه يوجد على أرضه ويجب عليه الدفاع عنها.
كما تقوم الجماعة بالتعريف بالرجال الذين أنجبتهم هذه الأرض المطهرة وبما أعطوه للتاريخ العربي والإسلامي من مكانة بين شعوب العالم، وزيادة على كل هذا قادت جماعتنا نضالا مريرا رفقة مجموعة من السبتيين والمليليين ضد الاستعمار الإسباني لما حاول تطبيق قانون الأجانب علينا وجعلنا أجانب على أرض أجدادنا.
إلا أن ذلك الصمود والكفاح دفع عنا لك المظلمة التاريخية التي كادت أن تكرر مأساة طرد المسلمين من بلاد الأندلس. وكانت نتيجة ذلك النضال إخضاع الإدارة الاستعمارية إلى بحث وإيجاد حل لهذه المشكلة المفتعلة، إلا أن هذا الحل وضعنا بين أمرين إما أن نكون أجانب على أرضنا، فنبقى عرضة للطرد والتشريد، أو نقبل الجنسية الإسبانية، وكان اختيار الأغلبية -مكرهين- للحل الأخير، رغم أنه مكننا ويمكننا من الدفاع عن حقوقنا الاجتماعية والسياسية بقوة القانون الجاري به العمل في إسبانيا.
“سبتة ومليلية مغربيتان بحكم التاريخ والجغرافيا، وطريقة استرجاعهما إلى حظيرة الوطن الأم المغرب تبقى رهينة بعوامل عديدة منها ما يتعلق بإرادة الدولة المغربية وظروفها السياسية ”
هل معنى ذلك أن مواقفكم ثابتة بخصوص المستقبل السياسي لسبتة ومليلية؟
-مواقفنا لا تقبل المساومة. وهي أن مدينتي سبتة ومليلية مغربيتان بحكم التاريخ والجغرافيا، وأن طريقة استرجاعهما إلى حظيرة الوطن الأم المغرب تبقى رهينة بعوامل عديدة منها ما يتعلق بإرادة الدولة المغربية وظروفها السياسية، ومنها ما يتعلق بنية الدولة الإسبانية وقدرتها على تحمل عبء المدينتين اللتين لم تعد لها ذات المكانة الإستراتيجية التي كانتا تمتاز بها في القرون الماضية، نظرا للتطور الذي عرفته آليات الحرب الحالية وعولمتها.
وإسبانيا تعرف حق المعرفة أن المدينتين لا تنتجان ذهبا ولا فضة، ولا نفطا ولا غازا، ولا زراعة ولا صناعة، فالأمر يتعلق فقط باقتصاد يقوم على التهريب الذي يعبر الحدود الوهمية تجاه الأراضي المغربية المحررة، وهذا التهريب سيصبح ورقة خاسرة بمجرد تدشين الميناء المتوسطي الذي يراهن عليه المغرب عامة والمناطق الشمالية خاصة.
كيف تردون على الجهات المغربية المقيمة في سبتة والتي ترى إلحاق سبتة ومليلية بإسبانيا؟
-هذه الجهات المغربية المقيمة في سبتة والتي ترى بأسبنة المدينتين، ما هي إلا مجموعة من كراكيز (دمى) تتحرك بمحض إرادة المستعمر وفي خدمته، ولتحقيق مصالحها الشخصية ومصالح عائلاتها التي بإمكانها تحقيق ذلك بدون تملق ولا انحياز لأطروحة المستعمر بل بقوة القانون والدستور الإسباني الذي يضمن تلك الحقوق لكل المواطنين الحاملين للجنسية الإسبانية.
وأما سواد الشعب في المدينتين فلا يرى من الأمر إلا القوت اليومي الذي يعول به أبنائه، والامتيازات التي يمكن له أن يحققها في ظل هذه الدولة التي تتولى إدارة شؤون المستعمرتين، وهذه المواقف يمكن أن نعتبرها فطرية، وإذا رجعنا إلى التاريخ سنجد أن جلاء الاستعمار لم يتم إلا بصمود وكفاح زمرة قليلة من المواطنين الذين آثروا على أنفسهم وأهلهم في سبيل وحدة ترابهم واستقلاله.
ولكن ما هي مواقف كل من الحزبين الشعبي والاشتراكي الإسبانيين بخصوص مستقبل المدينتين؟
-لقد طرأ تغيير جذري في مواقف الحزبين معا، حيث أن كل من الحزبين الاشتراكي والشعبي (يمين) كانت لهما مواقف متباينة لصالح التنازل عن المستعمرتين لفائدة المغرب .
وخلال مرحلة حكم بريمو دي ريبيرا (الحزب الشعبي) وكان الكورتيس (البرلمان الاسباني) في مدينة قادس قد قرر التخلي عن المدينتين والجزر التابعة لهما وتم التصويت على هذا الأمر، إلا أن تعنت العسكريين حال دون تحقيق هذا الهدف،، وكانت هناك عدة مقترحات إبان الحكم الفرنكاوي.
وفي الفترة الانتقالية أواخر السبعينيات قال مانويل فراكا الذي كان يترأس الحزب اليميني في كتابه الأبيض، بضرورة فتح مفاوضات بين إسبانيا والمغرب لتمكينه من استرجاع حقه المشروع على المدينتين والجزر التابعة لهما، وقد أثار هذا الموقف ضجة كبيرة في أوساط المستعمرين، ونظمت مظاهرات احتجاجية تدخلت على إثره الشرطة الإسبانية وقامت بضرب واعتقال عدد من المتظاهرين.
أما في الحزب الاشتراكي الحاكم حاليا فهناك مواقف وتصريحات عدة لزعمائه، كالتي أدلى بها فليبي كونزاليس لما كان في المعارضة قبل أن يتولى مقاليد الحكومة عام 1982، أكد فيها على ضرورة إنهاء الوجود الإسباني بالمدينتين، واضعا بعض الشروط التي تمثلت في أن يتم ذلك في ظل دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والمواثيق الدولية في هذا الشأن.
هذه المعطيات كلها تدل على تحول جدري في مواقف الحزبين، الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، حيث أن زعماء الحزبين غيروا آراءهم وتشبثوا بأسبنة المدينتين.
أثيرت في الآونة الأخيرة مسألة زيارة خوسيه لويس ثاباتيرو لسبتة. هل الأمر يتعلق بموقف جديد للحكومة الإسبانية من المدينتين
-زيارة ثاباتيرو ليس إلا حلقة من حلقات المسلسل الذي تتقاسم فيه الأدوار مجموعة من السياسيين الإسبان المتعاقبين على الحكم في هذا البلد، وقد أبانت الأوساط الاستعمارية في المدينتين استنكارا وكان هناك تدخل وصف بالعنيف لرئيس المعارضة مريانو راخوي، ليس على الزيارة في حد ذاتها وإنما على الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام حول إشعار السلطات المغربية بهذه الزيارة، الأمر الذي أحرج الاشتراكيين ودفع عدة جهات في الحكومة بالتسريع في تكذيب ما ورد في هذا الخبر الذي عكر جو الزيارة المرتقبة.
أما من الناحية الدبلوماسية فإن ثاباتيرو بهذه الزيارة سيكسر العرف السائد بين البلدين الذي يتمثل في عدم زيارة المستعمرتين من قبل رؤساء الدولة والحكومة الإسبانية كما هو متداول بين إسبانيا وإنجلترا حول صخرة جبل طارق. ولهذا فان الزيارة في حد ذاتها تعد تحولا جديدا في موقف الحكومة الأسبانية الحالية وحتى في موقف المغرب من أراضيه المغتصبة إذا لم يصدر أي تعليق حول الموضوع من قبل الأخير.
فهذه الزيارة تاريخية، رغم كونها ليست الأولى لرئيس حكومة إسبانية إذ سبقته زيارة أخرى لأدولفو سواريس، إلا أن هذه الأخيرة حظيت باهتمام خاص. أما داخليا فإن الزيارة ستمكن الحزب الاشتراكي من استرجاع الثقة التي فقدتها فيه جماهير المستعمرتين خلال السنوات الأخيرة حيث نزل من تسعة مقاعد إلى مقعدين في الانتخابات الأخيرة من ضمن 25 مقعدا يتكون منه البرلمان السبتي والمليلي، والذي يتزعمه حاليا الحزب الشعبي بأغلبية ساحقة.
زيادة على هذا كله فإن استطلاعات الرأي الأخيرة أبرزت تراجع شعبية الحزب الاشتراكي على الصعيد الوطني، وثاباتيرو يتحرك بقوة لكي لا يضيع واحدا من الأصوات التي وضعته على كرسي الحكم، وأصوات المدينتين تعد الذخيرة المكملة لحسابات الحزبين.
هل ترى من مؤشرات التشابه بين المستقبل السياسي بين كل من قضيتي سبتة ومليلية وجبل طارق؟
-القاسم المشترك بين هذه الأراضي هو الاستعمار. ولا أحد في العالم يؤمن بغير هذا، ويظل تغيير هذه الوضعية رهنا بنية واستعداد الأطراف المعنية لحل هذا المشكل. فالعهد لم يعد عهد الحروب على شبر من الأراضي، لاسيما في هذه المنطقة الحساسة من المعمورة، فقوة الأمر الواقع ستفرض نفسها بنفسها.
وسيكون الحوار الحل الوحيد والأجدر للحصول على ما يتمناه الجميع. وإنشاء خلية للتفكير بين البلدين كما اقترحها الملك الراحل الحسن الثاني وأيدتها جماعتنا، ستكون اللبنة الأولى لتحقيق هذه الأهداف، وأنا أرى أن تشارك في هذه الخلية الدول الثلاث إسبانيا والمغرب وإنجلترا.
“إن الأراضي المستعمرة ليست مغربية فقط بحكم الجغرافا بل إنها مغربية بحكم التاريخ، فرغم أنها امتداد طبيعي للأراضي المغربية، هناك عوامل تاريخية تشهد بمغربية المدينتين”
ما هي مِؤاخذاتكم على الدولة المغربية بخصوص هذا الملف؟
-إن الأراضي المستعمرة ليست مغربية فقط بحكم الجغرافيا بل إنها مغربية بحكم التاريخ، فرغم أنها امتداد طبيعي للأراضي المغربية، هناك عوامل تاريخية تشهد بمغربية المدينتين.
ولما نتكلم عن المغرب في هذا السياق نتكلم عن الدولة كدولة وليس عن العائلات المتعاقبة على الحكم في هذا البلد كما يفعل المستعمر الإسباني، حيث يربط الدولة المغربية ونشأتها بحكم العائلة العلوية الذي انطلق أواخر القرن السادس عشر.
وتاريخيا اعتلت العائلة البوربونية عرش المملكة الإسبانية حاليا، وتقلدت هذه المهمة في القرن السابع عشر. فمن ضمن الحجج التي تستدل بها إسبانيا على أن المدينتين إسبانيتان، كونها احتلتهما قبل أن يكون المغرب دولة قائمة بذاتها، ناسية أن المغرب لم يصبح مغربا بتولي الحكم العلوي فقط، بل كان المغرب موجودا عبر العصور والأزمان تحت ظل المرابطين والموحدين والمرينيين وغيرهم، ومنهم من حكم شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا حاليا) لقرون عديدة.
باعتباركم جمعية إسلامية في سبتة، كيف ترون مستقبل الحركات الإسلامية في إسبانيا؟
-مستقبل الحركات الإسلامية في إسبانيا عموما هو مستقبل الحركات الإسلامية في العالم عامة وفي الدول الإسلامية خاصة، ويبقى رهنا بقدرة هذه الحركات على مواكبة التحولات التي عرفها العالم بعد هجمات 11سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة.
ففي ظل هذه المستجدات يجب على هذه الحركات أن تغير أسلوبها في التعامل مع الأوضاع الحالية، لاسيما في بلاد المهجر الذي يتكون من تركيبات سياسية واجتماعية تتنافى في كثير من الأحوال مع ديننا وقيمنا الأخلاقية، ولهذا يجب أن تتعامل مع الوضع بحذر يحتم على كل مسلم أن يكون المثل الأعلى للتسامح الذي يفرضه علينا ديننا.
فإسبانيا مثلا ليست إسبانيا ما قبل انفجارات مدريد ولم تعد تلك الدولة التي كانت تؤوي العديد من المعارضين للأنظمة العربية والإسلامية بحجة احترام حق اللجوء السياسي، بل تستعمله لتحقيق مصالحها وكوسيلة ضغط على كثير من حكام العرب والمسلمين.
والجاليات الإسلامية والعربية لم تعد تلك اليد العاملة المرغوب فيها بين الغربيين، بل الكثير من هؤلاء ينظرون لنا كقنابل متحركة قابلة الانفجار من حين إلى آخر. إذن حسن سلوكنا ومعاملتنا مع الآخر هو الذي سترجع لنا ما فقدناه في السنوات الأخيرة.
هل تعتقدون أن تنامي الجاليات الإسلامية في سبتة قد يكون عنصرا محددا لحسم المستقبل السياسي للمدينتين؟
-لا أحبذ كلمة جالية لما يتعلق الأمر بمسلمي سبتة ومليلية المغاربة الأصل، فنحن لسنا جالية جاءت واستوطنت في تلك الأراضي بل نحن أهل الأرض، أما بالنسبة لتنامي عددنا هل سيكون عنصرا محددا لحسم المستقبل السياسي للمدينتين، فهذا أمر شغل ويشغل بال الاستعمار خلال السنوات الأخيرة، نظرا للنمو الديموغرافي المتزايد الذي تعرفه المجموعة الإسلامية بالمدينتين، والتي سيصبح عددها يفوق عدد المسيحيين في غضون عشر سنوات.
والمعطى السكاني سيكون عنصرا محددا لحسم المستقبل السياسي للمدينتين، إلا أن هناك أطرافا أخرى هي التي يمكن لها أن تحدد لنا موقفنا في المستقبل بقدرة ودرجة معاملتها معنا ومع مشاكلنا اليومية التي نظل نتخبط فيها يوميا ولا نجد الآذان الصاغية لدى أي جهة من الجهات.