Web Analytics
ربورتاجات

حي الخرازين بتطوان معلمة تاريخية اقتصادية لم تفتر وظيفتها منذ القرن الـ 16

الخرازين

يعد حي الخرازين، الذي يوجد في قلب المدينة العتيقة لتطوان، معلمة تاريخية لم تفتر وظيفتها الحضارية والاقتصادية منذ القرن السادس عشر. فلازال حي الخرازين، الذي شكل عصب الحياة الصناعية بتطوان منذ القرن ال 16 الميلادي، شامخا ومتحديا لمتغيرات الزمن الاقتصادي ومؤديا لوظيفته التجارية التي تتميز بالطابع التقليدي، ومحافظا على منتوجات حرفية يدوية كالأحذية و البلاغي و الحقائب الجلدية والملابس التقليدية، وإن كان تراجع الإقبال عليها بشكل ملحوظ إلا أنها لازالت تعد مرجعا تراثيا وحضاريا تعكس طابع حياة المغاربة قبل أزيد من خمسة قرون .

ورغم أن معالم حي الخرازين، الذي يحيط بأحياء “صناعية وتجارية أخرى، مثل دار الدباغة والسوق الفوقي والغرسة الكبيرة والصياغين والنجارين والعطارين، تغيرت نسبيا وتأثرت بمتغيرات شتى بسبب الاكتظاظ والنمو الديموغرافي والضغط السكاني الذي تعرفه المدينة العتيقة لتطوان وطغيان واقع تجاري جديد وبروز أنماط اقتصادية جديدة، إلا انه لايزال يحافظ على رونقه العام بمحلاته الصغيرة المتناسقة و دروبه الوظيفية، التي تؤدي وظيفة محددة في صناعة الجلد التي تخضع لمنطق التسلسل الصناعي.

كما أن الأزقة المؤدية إلى حي الخرازين مكتظة بالباعة سواء من ناحية الغرسة الكبيرة أو السوق الفوقي، مما يفقد هذا الفضاء الحضاري حيويته كمركز تجاري تراثي مهم لاستقطاب السياح المغاربة و الأجانب وكمزار فريد يؤرخ لتطور المجال الاقتصادي في مدينة اشتهرت منذ القدم بحركتها الاقتصادية ولعبت دورا تجاريا فيما مضى بحكم توفرها على عدة خصائص جغرافية استراتيجية أهلتها لاحتلال مكانة مهمة بين المدن المغربية الأخرى.

كما يمكن اعتبار حي الخرازين حلقة أساسية في الذاكرة التاريخية والمعمارية لتطوان منذ إعادة بنائها على يدشمال بوست سيدي المنظري قبل أزيد من خمسة قرون، لأنه لم يشكل فقط موقعا صناعيا وتجاريا مختصا في إحدى الصناعات التي كانت تلقى رواجا كبيرا في الماضي، بل ولكون هذا الحي شكل صلة وصل بين تطوان ومدن مغربية وكذا مناطق افريقية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن صناعة الجلد شكلت عصب الحياة الصناعية في فترات تاريخية سابقة كانت الملابس التقليدية شيئا لا محيد عنه يعكس أصالة وهوية الإنسان المغربي ومنتوجات قابلة للتصدير إلى عمق القارة السمراء.

وتراجع وظيفة الحي السياحية والصناعية قد لا ترتبط بالضرورة بتغير بعض من معالم المدينة العتيقة، وإنما إلى أسباب ذات طابع تجاري محض تتجلى في تراجع الاهتمام بالمنتوجات الجلدية التقليدية بعد أن عرفت هذه المنتوجات ازدهارا كبيرا لقرون عديدة .

ورغم المجهودات المؤسساتية والجمعوية المبذولة في السنوات الأخيرة للحفاظ على البعد التراثي لحي الخرازين إلا أن أنواعا متعددة من المنتوجات الجلدية تتعرض من سنة لأخرى للاندثار، خاصة ما يتعلق بالبلغة المطروزة والشربيل المطروز والريحية والبلغة الطالبية والبوكية والسطل ومنتوجات أخرى في طريقها لانقراض كالزعبولة الجبلية، التي تنفرد بصناعتها اسر تطوانية معروفة توارثتها عبر أجيال وأجيال ،شكلت في الماضي مفخرة الصانع التقليدي المحلي .

وإذا كان بعض حرفيي حي الخرازين يرجعون سبب زوال أو قلة تصنيع بعض المنتوجات الجلدية إلى نقص وغلاء المواد الأولية أمام ضيق يد التجار المزاولين للمهنة واكتساح منتوجات أجنبية منافسة، فإن تجار آخرين يردون ذلك إلى تغير نمط حياة الإنسان في الملبس والتزيين، مع بعض الاهتمام بهذه الألبسة بشكل مناسباتي كما هو الحال خلال الأعياد الدينية وشهر رمضان المبارك والأعراس، وهو ما يشكل متنفسا لهذه الصناعة للانتعاش اقتصاديا.

ويتميز حي الخرازين بكونه يخلو من الأبنية السكنية للحفاظ على طابعه الصناعي، كما تعكس هندسته طولا وعرضا الوظيفة المخصصة له انطلاقا من دار الدباغ وهكذا إلى غاية المحلات التجارية التي تعرض المنتوج النهائي، وتتخلل هذه الدروب محلات مركزية لبيع الإكسسوارات التي يحتاجها الصانع في تشكيل منتوجاته، فيما خصص موقع بوسط الخرازين ل”أمين حرفة الخرازين ” الذي يطلع بدور تنظيم المهنة وفك النزاعات والخلافات بين مهنيي القطاع.

كما أن هندسة حي الخرازين أخذت بعين الاعتبار قربه من مواقع تجارية عديدة قريبة بدورها من الأبواب السبعة للمدينة لتسهيل الولوج وتنظيم الجولان بالمدينة العتيقة بشكل دقيق، وهو ما يعكس حقيقة عظمة المهندس المغربي منذ القدم الذي تجاوب مع متطلبات المدينة وساكنتها بجمالية وتناسق قد نفقده للأسف في وقتنا الحاضر.

ولا شك في أن الاهتمام بمثل هذه الأحياء التقليدية، بالإضافة إلى الحفاظ على الموروث الحضاري الذي يميز المغرب عن كثير من الدول، يعطي للسياحة الوطنية بعدا ثقافيا ويمنحها مقومات أخرى تمكن المغرب من مواجهة المنافسة والتحديات التي تطرحها السياحة العلمية .

كما أن مثل هذه الأحياء الصناعية التقليدية تشكل كتابا مفتوحا للأجيال الصاعدة للاطلاع على حضارة مغربية عريقة تعد مفخرة حقيقية وتدل على عراقة المغرب وشعبه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى