تبرعمت أيام شهر مارس، ليالي مقمرة بيضاء، تناثرت في سماواتها نيازك وشهب، تومض بأسس وجود، في صلبه تتعايش كينونة إنسانية، متناغمة مع الكون. لمعت في فضائها نجوم سيارة، راكمت في رحلتها، معرفة إنسانية شدت وثاق كل من الرجل و المرأة بالعالم . وكواكب كرست تلك المعرفة، فاكتسبت بها الطاقة التي مكنتها من التحرر. استمدت وجودها الفعلي ، داخل الوجود العام للحياة بالفن والإبداع ، ونحت قيم الجمال قناعة، وسلوكا، وممارسة .
هل شهر مارس، وهلت معه تباشير ولادة جديدة للعالم…رغم كل ما يسود هذا العالم من وحشية ودموية…ورغم كل ما أسبغ على شهور العام من ربيع كاذب…يظل شهر مارس متمسكا بحقيقة هويته الربيعية، وبصك امتلاكه لفعل اللقاح الإزهار والولادات المتجددة.
يقول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في آخر حوار له، قبل رحيله سنة 2004 : ” إن تعلم فن العيش يعني النضج والتربية أيضا”.وفي هذا الصد، يمكن القول إن التجارب التي راكمتها الإنسانية، سواء في مجال علاقة الرجل بالمرأة، كنقطة انطلاق أولية للحياة البشرية، أو في جانب التعليم والمعرفة، مستويات الأداء الأنثوي في المرافق العمومية خارج المطبخ و السرير، جعل شهر مارس هذه السنة، يقبل علينا بحلة حداثية، وبخطاب يتكلم لغة، تقترب من لسان عصره. وهو تبلور حتمي، لمجموعة من المفاهيم والعلاقات، هي أساس استمرار الوجود الإنساني فوق كوكب الأرض، من حيث كونها تمثل أعمدة ” فن العيش” ، كأسلوب راق للتعايش البشري، وتمظهر جلي لسمو الحضارة التي أنشأها الإنسان. تلك الأعمدة التي هي نواة المجتمعات، كالأسرة والعلاقات المتشابكة التي تربط الرجل بالمرأة، وبالتالي الآباء بالأبناء…وقد أضاف دريدا في نفس هذا السياق :” كل سنة هي درس بيداغوجي موجه لتكوين الأجيال.
سنقتصر على رصد بعض من الثلاثين ليلة وليلة لشهر مارس. مارس ذلك الحكواتي المجسد لقصص الولادات الجديدة، وملاحم التواجد بلقاحات الحب، و مزامير تشدو بها الحياة للجمال. ليال من شهر مارس، صدحت بحكي أيام لها صيرورتها التاريخية، ومساراتها النضالية، و مسوغاتها الإنسانية، كاليوم العالمي للمرأة، واليوم العالمي للأم، واليوم العالمي للأسرة، اليوم العالمي للشعر، وهي أيام لا تنفك عن ” الأنثى”، في شتى مواقعها، وعلاقاتها، ووظائفها الإنسانية البيولوجية والعاطفية الروحية.
ليال تلألأت، بحكي أنثوي يرنو إلى تصالح مرتقب، مع ذاته، ومع الآخر. حكي بإيقاعات متنوعة، يمثل حضورا لجانب من العلاقات الإنسانية، يؤثر ـ بشكل كبير ـ في عملية التطور البشري ، وذو حمولة باذخة من العطاء. لأن ” المرأة ” هي الأكثر تجليا و حضورا في احتفاليات شهر مارس، إلى جانب أيام أخرى كاليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري ـ اليوم العالمي للأرصاد الجوية ـ اليوم العالمي للمياه ـ اليوم العالمي للسل.
في وسع بعض الناس أن يصبحوا معاصرين، في سياق آخر للتاريخ. قد يحفرون بعصرهم، مسارات جديدة للتفكير والممارسة، بعيدا عن كل تحقير للآخر ، أو تسطيح للقضايا الهامة في حياة ” الإنسان ، هكذا بين مزدوجتين. كما أن مواصلة تكريس تجارب الاحتفاء بالمرأة، بقدر ما يلقي الضوء على التصورات الحديثة حول منجزاتها الجديدة، ودورها المحسوس والملموس داخل بنية الوجود الإنساني، بقدر ما صار يساهم في بناء مفاهيم حديثة ، تشكل منعطفا نحو تغيير جذري في مسار التفكير الإنساني العام.
لقد بدا حضور المرأة خلال هذه السنة، مبشرا ب “المرأة الجديدة”، بعتاد ليس بالهين في ساحة الوجود بالفعل. حضرت نون النسوة المشددة ،تبكت تاء التأنيث الساكنة، كي تستقطع من النجاح، مكانها من الإعراب والتبيان، وتنكأ استدارة تاء التأنيث في انغلاقها القهري. أمسكت أنثى ” شهرمارس” هذه السنة، بمحور الحديث، ولم تسكت عن الكلام المباح. فجاء حكيها تراتيل شعر، يقتحم العتمات، يبشر ببوادر تغيير في المفاهيم و الممارسات.