كثر الحديث خلال الأسابيع القليلة الماضية عن المؤامرة الكونية التي تحاك ضد الحمامة البيضاء، بعد الإشاعات التي تناقلتها الألسن عن تحويل ولاية تطوان إلى مجرد عمالة، الأمر الذي لم يستسغ من طرف أحباء المدينة وكل من لديه ” كبدة ” عليها فدقوا ناقوس الخطر وهددوا بالنزول للشارع إن تم الأمر فعلا.
تطوان التي كانت في زمن ما من عهدها الجميل عاصمة ثانية للمغرب يقيم فيها خليفة السلطان، وتشكل رمزا ومفخرة للوطنية والوطنيين، تؤويهم وتمدهم بالسلاح لمواجهة الاستعمار الفرنسي قبل الإسباني، مخبأ أمينا لكل هارب من جحيم المستعمر، تغنى بجمالها الغرباء قبل الأهل، حتى أن شاعرا بحجم فخري البارودي نظم بيتا شعريا يوصل المشرق العربي بمغربه وبالتحديد عند بوابة تطوان، أصبحت الحمامة الآن مطاردة من الغربان، تتكالب عليها الأيادي الخفية من كل حدب وصوب بهدف قص أجنحتها لتعجز عن التحليق عاليا كما كانت تفعل في الماضي القريب.
في زمن ليس ببعيد في حساب علماء التاريخ تم تقطيع جزء من تراب تطوان وضمه لولاية طنجة حتى يحسب الميناء المتوسطي على تراب عاصمة البوغاز، وهو ما حرم المدينة من انتعاشة اقتصادية كانت ستساهم لا محالة في رفع الركود الاقتصادي الذي دخلته المدينة من منذ عقود خلت وتوفير فرص عمل لشبابها، وبالأمس القريب أحدثت عمالة جديدة في الساحل التطواني تحت مسمى المضيق – الفنيدق، وربما غدا نسمع بعمالة مارتيل – وادلو.
تطوان يسيرها أولياؤها الراقدون في زواياهم .. يحرسونها من عين المتآمرين .. بعد أن كان لها والي عين رسميا على رأس الجهة، وعاملا لعمالة طنجة أصيلة لتطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول استثناء الحمامة البيضاء من تعيين والي جديد خلفا لمحمد اليعقوبي الذي انتقل لمباشرة عمله والإشراف على مشروع طنجة الكبرى.
تخوفات كثيرة وقلق كبير يسود الشارع التطاوني من كون بقاء منصب شاغر لوالي المدينة هو ” بروفة ” لجس نبض أبناء المدينة وبالون اختبار لمعرفة مدى تقبلهم لحقيقة أن مدينتهم التاريخية المصانة بأوليائها لم تعد الآن على أجندة الدولة المغربية كواحدة من المدن الكبرى إداريا في إطار ربما التهييء لمشروع الجهوية الموسعة التي لن تقبل بوجود عاصمتين في جهة واحدة.
لو حدث الأمر فعلا وصدقت تنبؤات أكبر المتشائمين وتحولت ولاية تطوان إلى مجرد عمالة صغيرة في رقعة المغرب الكبير قد نحتاج معها لاستعمال المكبر للعثور على بقاياها في الخريطة، فإن ذلك سيكون بمثابة تسونامي تاريخي سيعصف بمدينة سيدي المنظري نحو المجهول، وتبقى ” العاصمة الخليفية ” مجرد ذكرى أليمة في نوستالجيا الحنين للماضي، تعصف بها الأيادي الهدامة كما عصفت بمعالم ما زال التطوانيون يتحسرون عليها كلما مروا من بقاياها.